يتجه المجلس السيادي ومجلس الوزراء لإجازة موازنة العام 2021 بعد جدل وانتقادات من قبل قوى الحرية والتغيير وجهات أخرى حول أولويات الصرف، صحيفة (الديمقراطي) جلست مع وزيرة المالية د.هبة محمد علي للحديث عن أبرز ملامح الموازنة في أول ظهور صحفي، هبة بالرغم من جدول أعمالها المزدحم خصصت نصف ساعة للحديث عن عملية وضع الموازنة وكيفية تفادي أخطاء العام السابق، مع الوعد بمساحة أكبر في مقبل الأيام.
- ما هي أبرز ملامح موازنة 2021 التي تعتبر أول موزانة بعد إزالة السودان من لائحة الإرهاب؟
هذه أول موازنة تُعد بعد توقيع اتفاقية السلام بجوبا ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستندت على مرجعيات أساسية شملت الإطار العام لبرنامج الحكومة الانتقالية ومطلوبات مصفوفة اتفاقية السلام بجوبا ومخرجات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي الأول والبرنامج الاقتصادي لقوى الحرية والتغيير وأهداف التنمية المستدامة، لذلك فقد خضعت لمشاورات واسعة، وقد تم الاستفادة من كل النقاشات لتحقيق أكبر قدر من التوافق. - ثمة جدل حول وضع الموازنة وتغيب أطراف مهمة كقوى الحرية والتغيير والقطاع الخاص؟
موازنة العام 2021 خضغت لمشاورات موسعة وغير مسبوقة بعد أن تم تكوين ثلاث لجان قبل ستة أشهر شملت “لجنة تعظيم الإيرادات، لجنة خفض الإنفاق العام، لجنة السياسات العامة المالية “، وتم تكوين لجنة عليا للموازنة شاركت فيها كافة مؤسسات الدولة واللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير وشركاء السلام، والخبراء الاقتصاديون من الجامعات والسياسيون، ولأول مرة تم إشراك القطاع الخاص والشباب ولجان المقاومة كما تم الاتفاق مع الأمم المتحدة لتقديم قراءة جندرية للموازنة. - ولكن هناك العديد من الانتقادات التي وجهت إليكم من قوى الحرية والتغيير والقطاع الخاص تشير إلى عدم مشاركتهم في اللجان القاعدية؟
من الصعب أن تشرك كل المجموعة في عملية وضع الموازنة، ولكن هناك ممثلين عنهم شاركوا في مناقشات الموازنة على سبيل المثال، اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير بجانب ثلاثة أعضاء من خارج اللجنة الاقتصادية شاركوا في المناقشة، كما شارك رئيس اتحاد أصحاب العمل، ومن الممكن أن تكون التصريحات الصحفية ناتجة عن عدم تنوير من ممثلي هذه القطاعات السياسية الاقتصادية المهمة، وللأسف البعض يكتب عن الموازنة قبل أن تنشر…. - (مقاطعة) إلى أي حد الأرقام المتداولة عن الموازنة دقيقية؟
لا توجد أرقام دقيقة إلا بعد أن نقوم بنشرها رسمياً، فأرقام الموازنة تتغير بشكل دائم على مدار الدقيقة والثانية تبعاً للمناقشات التي تجري، وهو ما تسبب في تأخر إجازتها كل هذا الوقت بسبب حرصنا على استصحاب كافة وجهات النظر والآراء البناءة حول الموازنة، وتم الاستفادة من كل هذه المناقشات لتكون موازنة حقيقية، وسنقوم بنشر الموازنة على الجمهور بعد إجازتها وشرح كل البيانات المتعلقة بها. - ثمة مخاوف من استناد الموزانة على أرقام وتقديرات غير واقعية تكرر ذات أزمة موزانة العام الماضي؟
استندنا على أرقام إيرادات ومنصرفات واقعية، كل أرقام الإيرادات حقيقية لم نعتمد على المنح إلا التي تم التوقيع على اتفاقاتها أو أوشكت على الاكتمال بنسبة 90%، أما الصرف فمبني على دراسة للصرف الحكومي خلال الـ10 أعوام الماضية مع بعض الزيادات البسيطة التي تتلائم مع زيادات الأسعار، لقد تم الاستفادة من الدروس السابقة لموازنة 2020 والتي تضمنت إيرادات لم يكن من المؤكد تحصيلها، لقد تم تقليل الاستدانة من البنك المركزي الأمر الذي يؤكد التزام وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي برفع عبء التضخم عن المواطن وتثبيته عند نسبة 95% بنهاية العام 2021 مقارنة بالنسبة الحالية التي تعادل أكثر من 250%، من أهم إيجابيات الموازنة العام إحداث إصلاحات ضريبة وجمركية وتوسعة المظلة الضريبية بنسبة 60%، وزيادة إيرادات الذهب من 20 ملياراً العام الماضي إلى 100 مليار جنيه بنسبة زيادة تصل لنحو 82%. - ما هي المنح المؤكدة التي تم تضمينها في الموازنة؟
تم تضمين المنحة الأمريكية 700 مليون دولار، والبنك الدولي 170 مليون دولار، وهناك منحة عينية من القمح عبر الوكالة الأمريكية تعادل 20 مليون دولار، - إصلاح المالية العامة والحد من الطلب الفائض بشكل متدرج، واحد من أبرز التحديات التي تواجهكم؟
موازنة 2021 تعتبر أول موازنة تحقق فائض جاري منذ سنوات طويلة وتحافظ على نسبة عجز كلي في حدود 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي ــ الرقم القياسي 3-5%ــ، كما تم ضبط الإنفاق العام وترشيد الصرف على الحكومة وتخفيضه بنسبة 24%، العمل على هيكلة الموازنة أمر يتطلب عملاً دؤباً لعدة سنوات، فعلى سبيل المثال تواجه الموازنة مشاكل هيكلية متعلقة بارتفاع الصرف الجاري على حساب التنموي، وارتفاع العجز الجاري الذي سعينا لتخفيضه هذا العام إلى صفر، فقد قللنا من الاستدانة من النظام المصرفي، ففي العام 2020 حدثت أكبر استدانة بلغت 200 مليار جنيه مما تسبب في ارتفاع نسبة التضخم، تم تقليل الاستدانة هذا العام إلى 52 مليار جنيه، في المقابل نسعى لتقليل حجم الأموال المتداولة وهو أمر لن يجدي لوحده في ضبط السوق ما لم يتم توقيف الأنشطة الطفيلية وهو أمر متكامل، ونسعى لمعالجة كل هذه المشكلات بشكل متدرج. - هل هناك تصور زمني لقدرة الحكومة على ضبط السوق؟
نعمل بشكل أساسي لخفض التضخم تدريجياً عبر عدة آليات، أبرزها تقليل الاستدانة من البنك المركزي وهو أمر سهل التحكم فيه بين المالية والمركزي، تم تشكيل آلية عليا للعمل على ضبط التضخم تشمل الجهاز المركزي للإحصاء، والتجارة والمواصلات وجهات أخرى للتحكم في سلة السلع التي يتم من خلالها حساب التضخم، كما توجد آلية ثالثة معنية بمعاش الناس تضم كل جهات الاختصاص. - زيادة الأجور مثلت تحدٍ كبير للموازنة العام الماضي كيف سيتم التعامل معه؟
حقيقة تحدٍ كبير ولكن مقدور عليه، زيادة المرتبات العام الماضي كانت قيد الدراسة وبنيت على وعود وعند تطبيقها خلقت ضغطاً شديداً على الميزانية السابقة، ولكن استطعنا تجاوز ذلك وتوفير موارد حقيقية لها وسنواصل التزامنا بإنفاذ هيكل الأجور والمرتبات الذي تم اعتماده في 2020م، لأنه يسهل على الناس خاصة أنه يشمل قطاعات اجتماعية واسعة، وهو ما سيدفع القطاع الخاص أيضاً لزيادة الأجور بدوره، لقد سعت موازنة 2020 لتحسين الأوضاع لكن واجهت تحديات غير مسبوقة مثل جائحة كورونا التي أفقدت السودان أكثر من 40% من موارده، بجانب زيادة الصرف على الصحة، وقبل تجاوزها تماما أتت كارثة السيول والفيضانات والتي أفقدت السودان الكثير من المشاريع الزراعية بجانب خسائر الأرواح والممتلكات، والآن نواجه تحديات الموجة الثانية من كورونا. - هل تحسبتم لها ولما قد يحدث من إغلاق شامل؟
نعم تحسبنا لها عبر بندي صرف الأول الطوارئ والثاني في الصحة مباشرة. - بالحديث عن الموارد المخصصة للتنمية تبدو منذ انفصال جنوب السودان في العام 2010 شكلية أو تجملية أكثر من كونها حقيقية؟
عالمياً يجب ألا يقل الصرف على التنمية عن 50%، ولكن في السودان يتم التركيز على الصرف الجاري الذي يصل لنحو 80% من الموازنة وهذا أمر غير صحيح، وسنسعى لتغييره بشكل تدريجي وسيستغرق الأمر سنوات للوصول إلى الوضع المثالي، الموزانة ليس لها قيمة دون الصرف على التنمية التي تعد أمراً حيوياً لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية المتوازنة للأقاليم وزيادة الناتج المحلي الإجمالي والوظائف وغيرها…، نحن لم ندرج الاتفاقيات التي تمت مع الولايات المتحدة وبقية الدول إلا بعد توقيعها لتضاف لرصيد التنمية، وهو ما يعني أن المضي في ذات السياسات الحالية والانفتاح على العالم يعني زيادة تلقائية لميزانية التنمية، ومن المهم أن يكون هناك توازن تنموي في الأقاليم خاصة المناطق المتأثرة بالحرب. - من الانتقادات التي وجهت للموازنة هي عدم تخصيص موارد كافية لترتيبات السلام؟
حسب تقديراتنا تحتاج ترتيبات السلام لتنزيلها لما لا يقل عن 5 مليارات دولار، وتم تخصيص مليار دولار في هذه الموازنة من مواردنا الذاتية، وإن شاء الله سيتم تغطيتها عبر المانحين. - وما هي أوجه صرف هذا المبلغ؟
نحو 70% من هذا المبلغ لمشروعات تنموية وليس للصرف على المؤتمرات كما كان يحدث في السابق، تركيزنا في الصرف على السلام منصب على المشروعات التي تنعكس بشكل مباشر على إنسان المنطقة المتضررة من النزاعات، سيتم تخصيص 21.5 مليار ضمن قسمة الثروة بين المركز والأقاليم لمواصلة مشروعات تنموية متوقفة لسنوات بسبب الحرب بعد توقيع تعاقداتها، كما تم إضافة 13.3 مليار جنيه لصندوق بناء السلام، و19.3 مليار من منحة أمريكية لدعم برامج السلام. - يثار جدل قديم متجدد مفاده استمرار الاختلال في أولويات الصرف لصالح الصرف السيادي والأمن والدفاع على حساب الخدمات الأخرى كالتعليم استنادا على أرقام مسربة للموازنة؟
الأرقام التي نشرت تستند على الموازنة الاتحادية وليس القومية (الكاملة) -الاتحادية بالإضافة للولائية… - (مقاطعة) هل هذا يفسر الحديث عن وجود موازنتين والتباين في الأرقام التي أعلنتم عنها وما تسرب للإعلام؟
الأرقام التي تحدثنا عنها في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الإعلام تتعلق بالموزانة القومية، والفرق بين أرقام الموازنتين يرجع إلى أن هناك الكثير من المنصرفات الممركزة مثل بند الدفاع والذي يصرف على المستوى القومي ولكن يصنف تحت الموازنة الاتحادية، فأي عسكري في أي مكان في السودان ملابسه وتشوينه وكل احتياجاته تأتي من الموازنة الاتحادية، وبالتالي عند دمج الموازنات الولائية في الاتحادية (الموازنة القومية الكاملة) سيتضح نسب الصرف على الدفاع كنسبة من الصرف الحكومي بأكمله.
(نواصل…)
نقلا عن صحيفة الديمقراطي