السودان محتاج للتنمية وليس في حاجة للحرب..! وهذا كلام واضح لا يقبل التأويل.. والذين يتحدثون بعكس ذلك لا يعرفون ويلات الحرب وانعكاسها على البلاد والعباد وما يمكن أن تخلّفه من دمار وخراب… وهذا لا يعني بأي حال التفريط في السيادة الوطنية أو أي شبر من أراضي الوطن.. وكل ما عدا ذلك مزايدات.. والذين ينفخون نيران الحرب عليهم التبصّر في المآلات.. فالحرب ليست نزهة.. كما أنها ليست خياراً إلا بعد استنفاد كافة الوسائل الأخرى..! ومن حسن الطالع أن العلائق بين البلدين (قائمة وسالكة) وكل الطرق مفتوحة للحوار العقلاني حول حُسن الجوار وضرورات سيادة كل طرف على أقاليمه؛ وتحريك الدبلوماسية الذكية لإزالة كل التباس حول ترسيم الحدود وإبداء حسن النوايا ..بل إن كثيرين من العسكريين والسياسيين في البلدين يؤكدون أنهم لا يريدون حرباً مع الطرف الآخر وليس لكليهما أطماع عبر الحدود؛ وهذا يتطلّب إجماع العقلاء في الجانبين على تغليب الحوار والحل السلمي.. وبين البلدين مساحة كبيرة للتفاهم ومن هنا تكون البداية.. وهذا يعني أننا لسنا في حاجة لعقد (اللقاءات الهتافية) التي توحي بعكس ذلك.. وإطلاق حناجر بعض منسوبي القطاع الخاص ورجال الأعمال للحديث عن الحرب والعلاقات بين الدول.. فهم ليسوا أهل تخصص في قضايا الحرب والسلام ..كما أن السودان بعد الثورة يريد أن يبني علاقات الجوار بالتفاهم والحوار والتأكيد على معاني السيادة لكل دولة.. وليس من المستحب استعادة سلوك الإنقاذ في عقد (اللقاءات الصورية) بدعوى دعم الجيش ..فالجيوش لا يتم دعمها بأصحاب الشركات والبوتيكات و(مصانع البسكويت) وإنما يدعمها اقتصاد الدولة القائم على ولاية الحكومات المدنية على المال العام وإصلاح بنية الاقتصاد الوطني.. والإنقاذ هي التي خلطت الأوراق وأدخلت الشركات التجارية في الجيش.. وأدخلت الجيش في الشركات..! وهي التي استنت سنة مثل هذه اللقاءات وادعاءات التبرعات في المحافل العامة بدعوى دعم الجيش.. وهذا (منظر غير لائق) لا تجد له مثيلاً في الدول الراشدة.. ثم إنه لا يتفق مع طبيعة وحجم الدعم المالي المطلوب للجيوش والذي لا يمكن تأمينه على طريقة (النقوطات) في حفلات الأعراس..! وكثير من دوائر القطاع الخاص التي ورثناها من الإنقاذ تجعل من مثل هذه اللقاءات مناسبة للنفاق و(الزلفى) وتحقيق مكاسب تجارية أو فئوية عبر ادعائها دعم الجيش.. والجيوش الوطنية بقياداتها الوطنية التي تعرف مهامها وواجباتها وتحرص على مهنيتها وقوميتها تدعمها الإرادة الوطنية ويدعمها الشعب جميعه ويقف معها في خندق واحد باعتبار أن الجيش هو درع الوطن ويتم ذلك في مشاهد وطنية صادقة ومعافاة..على خلاف اللقاءات الإنقاذية العشوائية المصطنعة من أجل الأغراض الحزبية الضيقة.. كما أن توقيت لقاءات التلويح بدعم الجيش في فترة التوترات مع الدول المجاورة يوحي وكأنها دعوة للحرب..!
يجب أن نعمل على تحويل التوتر الحالي في الحدود مع الجارة إثيوبيا إلى فرصة.. فرصة للتعامل الراشد وتلافي التقصير السوداني طوال فترة الإنقاذ (بل منذ الاستقلال) في عدم الحزم والحسم في توضيح الحدود بصورة لا تقبل التخمينات وترسيمها بشكل قاطع.. وتعمير منطقة الفشقة وتوضيح واقع الوجود الأجنبي فيها.. لا أن نترك المزارعين الأجانب في المنطقة بغير توضيح صيغة وجودهم؛ وما إذا كانوا مستأجرين أو مُستضافين أو لاجئين…الخ حتى لا تترتب لهم حقوق غير مفهومة بطول مكثهم في المنطقة.. وهذا هو الطريق لحل قضيتنا مع الجارة سلمياً وبغير إشعال الحرب من أجل أهداف لا علاقة لها بالسيادة أو الوطنية.. وعلى الله قصد السبيل.!