ليس مقبولا مهما كانت المبررات ان يتهاوى الجنيه السوداني يوميا أمام أعين حكومة الثورة وهي لا تحرك ساكنا، ولا تشعر المواطن بأن هناك إجراءات قيد العمل ستكون حاسمة في خفض التضخم والغلاء، غير مقبول اطلاقا ان تعتمد الحكومة وقوى الحرية والتغيير الصمت أمام هذا الانهيار الاقتصادي اليومي، غير مقبول اطلاقا ان لا يجد المواطن الخبز ولا الغاز ولا الوقود او ان يعجز عن توفير ثمنها، هذا وضع كارثي لا يمكن الصبر عليه ولا السكوت.
إذا لم تكن الحكومة وحاضنتها السياسية قحت تعلم، فإن طلاب الدمازين وعطبرة الذين اطلقوا شرارة ثورة ديسمبر خرجوا ضد غلاء اسعار الخبز، ناصر الشعب هذه الثورة ليس من أجل الليبرالية ولا التغيير الفجائي في المناهج وإضافة صور الذات الالهية، لم يدعموا الثورة لاستبدال تمكين الكيزان بتمكين الشيوعيين، بل من أجل تحسين واقعهم المعاشي من أجل كرامتهم الانسانية، فهل توجد كرامة مع الجوع؟ هل يشعر المواطن بالكرامة وأطفاله جوعى وعراة؟ هل يشعر بالحرية جائع؟ لا يجب أن نخدع الملايين من شعب بلادي فالذي يحدث الآن لا علاقة له بالأهداف العليا للثورة ولا يقود إلى الفلاح ولا النهضة، هذا الدرب يقود فقط إلى الهاوية .
قيادة الشعب والدولة ليست شيكا على بياض ولا هدية مجانية، وإنما مسؤلية جسيمة فإما ان يقوم بها متقلدها على أكمل وجه او فليغادر غير ماسوفا عليه، نعم هناك تحديات تواجه الحكومة الانتقالية، ولكنها تحديات لا يجب ان تهوى بالاقتصاد بهذه الطريقة الفضيحة، ماذا تتوقع الحكومة من شعب كلما أصبح صبح يجد عملته تتهاوى وأسعار السلع ترتفع؟! ماذا يفعل؟ هل يصفق لهذا الفشل؟ هل يطرب للخطب الرنانة وهو عاجز عن شراء الخبز والدواء لاطفاله؟ الشعوب يمكنها أن تصبر على الضيم مع الرخاء ولكنها لا تصبر على الفاقة سواء في حالة العدل او الضيم، هكذا هو الإنسان وهذه هي طبيعته ولا يمكن توقع شيء مخالف للطبيعة وبناء الافتراضات عليه، توقعوا الثورة عليكم يا حكومة ولا تتوقعوا الصبر فهذا هو الطبيعي، عسى أن تزداد الهمة ويتغير الواقع.
لا نريد أن نسمع شماعة الكيزان مرة أخرى كمبرر لهذا الانهيار فما يفعله الشيوعيون المتمكنون من مفاصل الحكومة والمعارضة في ان واحد وفق خطة ممنهجة لاغراق البلاد في الفوضى أشد على الفترة الانتقالية من كل تدابير الشماعة الكيزانية، يعرقلون العمل في كل مناحي الدولة ويضعون العقبات والعراقيل ويثيرون الشارع ويعلنون المواكب ويضرمون الفتنة بين مكونات الحكومة الانتقالية حتى لم يعد احد يعلم هل هي حكومة بالفعل وذات قرار وهيبة ام مجرد مسخ مشوه يصفعه الغاشي والماشي.
يجب أن تصحا الحكومة الآن قبل أن توقظها احجار الجوعى ونيران المعدمين، فهذا الواقع مظلم ويسير بسرعة نحو المجهول، فلتقدر الحكومة موقفها وان رأت ان القادم صعب وان دوائر الكيزان والشيوعيين قد استحكمت حول عنقها تمنعها التنفس والحياة، فلتعلن عن انتخابات مبكرة ولتعيد الأمر للشعب عسى ان يمثل هذا المخرج انفراجة موضوعية للاختناق السياسي والاقتصادي الماثل.
sondy25@gmail.com