في يناير عام 1838، ألقى أبراهام لينكولن، الذي كان عضواً في المجلس التشريعي لولاية إيلينوي وقبل بضعة أسابيع من بلوغه الـ29 من عمره، ما كان على الأرجح الخطاب الأكثر نبوءة في حياته السياسية.
يقول الكاتب بريت ستيفنز في صحيفة “نيويورك تايمز” إن ذلك الخطاب حان وقته مرة أخرى عام 2021.
يتساءل ستيفنز لماذا قد يكون خطاب لينكولن “تخليد مؤسساتنا السياسية” مهماً الآن؟ ويقول إن الجواب الواضح هو العبودية وصعود ما وصفه لينكولن بـ “الروح الموبوقراطية” (حكم الغوغاء) وأنواع القادة الذين يحرضون عليها.
ففي خطابه، تحدث لينكولن عن أعمال العنف والغوغاء التي حصلت في ولاية إيلينوي حينها، كما تناول مسألة العبودية.
وتطرق إلى حادث فيكسبيرغ حيث اقتحم حشد من الأشخاص عام 1835 أحياء في المدينة واعتقلوا خمسة مقامرين وأعدموهم شنقاً. وفي سانت لويس بولاية ميسوري، في العام التالي، قبض عدد من الحراس على رجل أسود حر يدعى فرانسيس ماكينتوش يشتبه في قتله ضابط شرطة وإصابة آخر وقيّدوه بالسلاسل ثم أحرقوه حتى الموت.
بحسب لينكولن، كان الدافع من وراء حادث فيكسبيرغ هو “الفضيلة العامة”، أما الدافع وراء عصابة سانت لويس فكان الانتقام، مستنتجاً أن التوق السامي إلى التطهير الأخلاقي وأعمال العنف الدامية، وجهان لعملة واحدة وآثارهما هي ذاتها.
ينطلق ستيفنز من خطاب لينكولن ليتناول أحداث اقتحام الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) الحالي، ويقول إن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب تمكّن من إحراق ولايته الرئاسية بينما كان يحاول إشعال النيران في كل شيء آخر. ووجّه الكاتب سهامه نحو السيناتورين الجمهوريين جوش هاولي وتيد كروز، قائلاً إنهما يفتقران إلى الذكاء.
ويستطرد أن الثلاثة يشبهون بشكل ضبابي ما كان يخشاه لينكولن حين تحدث عن رجال يشبهون “قيصر” أو “نابليون” سيهدمون المؤسسات الجمهورية بدلاً من الدفاع بغية إشباع تعطّش إلى المجد.
ويسأل الكاتب أي وحوش يحاول ترمب وهاولي وكروز استحضارها، قائلاً إن الرئيس الذي انتخب نفسه من خلال استدعاء حشد رقمي عبر “تويتر” و”فيسبوك” انتهى به الأمر محاولاً عكس نتائج انتخابات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 من خلال استدعاء حشد حقيقي إلى العاصمة الأميركية واشنطن.
أما الحل، فيكمن في ما يسميه “الدين السياسي” المبني على أعمدة “محفورة من مقلع العقل الرصين”. وقد لاحظ العلماء وجود توتر بين إيمان لينكولن العاطفي بالعقل والإيمان السياسي الذي يجب أن تدعمه المشاعر التي تتجاوز العقل، ما أسماه لاحقاً “أوتار الذاكرة الصوفية”.
هذا التوتر لا يمكن حله ولكن يمكن على الأقل استدامته من خلال فهم أن مساحة النقاش المنطقي يجب أن تكون مغلفة باحترام التقاليد ورموز الحكومة.
أحد الأسباب التي جعلت صور أحداث 6 يناير تبدو بشعة للغاية أنها كشفت عن أن إحساسنا بالتقاليد والاحترام أصبح ضعيفاً في “العصر الترمبي”، حيث كل شيء مباح.
ويختم ستيفنز مقاله قائلاً، عندما يصبح جو بايدن رئيساً يوم الأربعاء، سيواجه مهمة أكبر من إنهاء وباء كورونا وإنقاذ الاقتصاد. سيتعيّن عليه طرد “الروح الموبوقراطية” التي تتمثل في مساهمة ترمب الرئيسة في السياسة الأميركية.