بسم الله الرحمن الرحيم
أكاد لا اصدق أننا كلنا لافين صينية منذ نجاح ثورة ديسمبر في اسقاط حكم الانقاذ الذي كان على ما يبدو صوريا، لان كل الاحداث بعد 11 أبريل 2019م تؤكد أن الذي زال مجرد اسماء استبدلت بأسماء أخرى فقط. لا أنا ولا الشعب في حاجه لمضاعفة جرعات الاحباط اليومية ولسنا في حال يمكن ان نستقبل فيها مزيد من الاخفاقات والتبريرات الوهمية لها، ولكن تظل الحقيقة ومواجهتها مهما كانت الانتكاسات والآلام هي الترياق الناجع لوقف هذه الصينية التي ظللنا ندور فيها كل هذا الوقت.
قام تجمع المهنيين بمجهود جبار في استلام دفة قيادة الثورة وأنجز تحالف قحت بكل تناقضاته وبتوافق لم يشهده تاريخ السودان الحديث، ولكن عندما حان وقت قطف ثمار الثورة ووضع قطارها على القضيب الصحيح لضبط مسارها، إنفرطت مسبحة التجمع بقحته وساسته وفقدنا البدر المنير في الليلة الظلماء.
هل كل نخبنا السياسية بما تمثله من أرث نضالي وعمل سياسي لعقود غير قادرة أن تواجه مجموعة من العسكر هيأت لها الفرصة فقط أن تكون في موضع قوة منافسة لاحزابنا السياسية والقوى المدنية الأخرى والحركات المسلحة، أم أن الحقيقة التي لا نعترف بها هي أن كل تلك النخب لم تكن سوى شخصيات كرتونية غير قادرة على الفعل بل على الترديد فقط، وأنها كائنات غير قادرة على الاستقلال بنفسها وقرارها ولا بد لها من مَعِل أو كفيل؟!
نمشي خطوة للأمام وذلك حتى لا نكون متمركزين في خانة ردود الأفعال ولسنا فاعلين في الساحة، الساحة اليوم تتطلب من هم قادرين على الفعل وليس مجرد متلقين يلومون تارة ويدسون روؤسهم في الرمال تارة أخرى متناسين آلام الشعب وضيق الحال وشظف العيش.
وقعت قحت الوثيقة الدستورية مع المكون العسكري “الذي اصبح بقدرة قادر حزب سياسي مسلح”، وقحت شئنا أم ابينا تحمل مسئولية قانونية وسياسية ويتحمل هذه المسئولية كل مكوناتها من ظل موجود بالتحالف ومن خرج منه ومن جمد، والخروج أو التجميد لا يعفي هذه الكيانات من المسئولية السياسية تجاه هذه الوثيقة، لذا أصبح لزاما على كل الكيانات التى شكلت قحت أن تعود الى مسئوليتها تجاه الشعب وأن تُقوًم عوج هذا التحالف لمصلحة الوطن، الوضع الراهن لا يقبل أي تخاذل أو أجنده حزبية ضيقة ومعون الوطن هو الأكبر الان لاحتواء كل خلاف.
لا يمكن لاي جهة أخرى أن تكون بديل لقحت أو لإلتزاماتها حسب الوثيقة الدستورية، وأي دعوة لإسقاط قحت وإزاحتها عن المشهد السياسي يعني صراحة الدعوة لإنقلاب عسكري، لأن طرفي العملية السياسية هما المكون العسكري وقحت وفي حال تلاشي أحدهما فهذا يعني تمدد الأخر، فهل يفهم ذلك المتشاكسون وأصحاب المصالح الذاتية؟
ضعف قحت ناتج عن ضعف مكونات التحالف التي هي تحالفات لأحزاب في معظمها وكيانات مدنية أخرى، ولا ننسي طبعا الحركات المسلحة التي ساهمت في هذا الضعف عندما تولت مفاوضة المكون العسكري وحدها فيما يسمى عملية السلام وادارت ظهرها للتحالف في تصرف أقل ما يقال عنه أن اصطياد في الماء العكر ومحاولة لتعزيز مكاسبها على حساب انتصارات الثوار.
الأن الوضع الراهن لا يحتمل غير تقوية التحالف المدني الذي يدعوا للحكومة المدنية والتداول السلمي للسلطة ولا بد من لجم طموح العسكر ومساعدتهم للعودة لرشدهم بتجنيب الجيش العمل السياسي وإعادة هيكلة كل القوات الاخرى خارج سيطرة القوات المسلحة وجمع السلاح لتحقيق الأمن في ربوع الوطن، ولن يتسنى ذلك إلا بتحالف مدني عريض يضع شعارات الثورة أمامه واضحة جلية، تحالف له سند دولي يؤهله لأداء مهامه مهما تعاظمت، وذلك التحالف لن يكون سوا قحت بعد إعادة هيكلتها وفتحها لكل القوى الثورية لتواجه التزاماتها السياسية والاخلاقية تجاه الوطن والثوار.
“وسنعود حتى يستقيم العود”