نشأت وتوثقت علاقتي بعثمان عابدين عبر الهاتف ووسائل الإتصال الالكترونية دون أن أحظى برؤيته رأي العين. لم تتح لي الظروف عدة مرات أن ألتقيه في جدة لكن ذلك لم ينتقص شيئا من الود المتنامي والتواصل بيننا.
في فترة الديمقراطية الثالثة القصيرة(1985-1989) مثل كل فترات الديمقراطية في بلادنا، لمع العمود الصحفي (محطات صغيرة) الذي كان يحتل مكانا بارزا في الصفحة الأخيرة من صحيفة الأيام، واصبح في مقدمة الأعمدة الصحفية المقروءة، ولمع اسم كاتب العمود عثمان عابدين.
كان العمود يجمع بين الجزالة اللفظية والاختصار والموضوعية. لم يدم العرس الديمقراطي طويلا وسرعان ما حلت القدم الهمجية بالبلاد في 30يونيو1989 لتدهس أحلام الأجيال وكان أعدى أعدائها حملة الأقلام شأنها في ذلك شأن كل الطغاة على مدار التاريخ فهاجر عثمان عابدين للعمل في الصحافة السعودية. يقول الصحافي السعودي المرموق الأخ مطلق العنزي أن العقول السودانية تشارك في صنع ثروات الأمم ولكن المؤسف ألا تجد هذه العقول المجال لصنع ثروات بلادها.
الحصاحيصا نبع لا ينضب من المبدعين. منها جاء عميد الصحافيين السودانيين في المهاجر المرحوم عصمت يوسف، ومنها جاء هاشم كرار وعثمان عابدين، ومنها جاء أيضا المرحوم أبوبكر وزيري الذي كنت أختلف مع طرحه أيما اختلاف وأقدر مهنيته أيما تقدير.
لم يتوقف عطاء الحصاحيصا على مجال الصحافة، ولكنها أهدت للسودان شاعر الثورة السودانية أزهري محمد علي.
عثمان عابدين مبدع حقيقي يتعاطى الصحافة بروح الأديب والشاعر فتجد كلماته قبولا بلا حدود من القاريء. جاء رحيله إضافة ثقيلة للحزن الذي خلفه رحيل أيقونة الرواية السودانية ابراهيم اسحاق الذي رحل قبله بأيام قليلة. كثير من المبدعين فارقوا الحياة وهم خارج الوطن الذي أحبوا إنسانه وترابه.القائمة تطول. عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه.يجيء رحيله في زمن مليء بالقبح والدماء ضنين بالإبداع والكلمة الطيبة.
وداعا عثمان عابدين الرجل النبيل الجسور صاحب القلم الشجاع عاشق الوطن والعزاء لأسرته وزملائه ومحبيه في كل مكان. طيب الله ثراه وعطر ذكراه.
قبل الختام:
“أكذا تفارقنا بغير وداع …يا قبلة الأبصار والأسماع؟”