الروائية بثينة خضر مكي: الأدب مفهوم إنساني شامل ولا وجود للتفاصيل البيولوجية في الكتابات الإبداعية
بثينة خضر مكي قاصة وروائية تعايش الواقع معايشة كاملة وتمتزج به بمشاعرها، حتى يصير جزءاً منه. هذا لا يجعلها تصور المكان من الخارج فقط لكنها تصوره بنبضه، فيصير كائنا يتحرك ويتنفس مع شخصياته..
لها خمس مجموعات قصصية وثلاث روايات والعديد من الكتب في الترجمة. تُرجمت بعض أعمالها إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية. نلتقيها في هذا الحوار:
يقول ماركيز: أنا أكتب حتى يحبني الناس وأكسب من الأصدقاء.. لماذا تكتبين؟
- أكتب لإثبات ذاتي.. لا أبوح بمكامن مشاعري وأوجاعي وأفكاري بانطلاق وحرية فكرية، قد لا أتمكن منها في حديثي شفاهة أو قولا أجاهر به أمام الآخرين، وفي الكتابة شجاعة يتلبسها الجبن والحياة. في الكتابة أفق لروابط إنسانية تمتد في آفاق فكرية رحبة ومختلفة.
- في روايتك (حجول من شوك) عالجتي فيها مشكلة الهوية السودانية.
- دعينا نسأل هل يمكن لأدب أن يقوم بتوحيد تلك الهوية ؟
-بكل تأكيد أن دور الأدب بالمفاهيم الفكرية والثقافية والإبداعية. يعد من أقوى وأخطر مكونات الهوية الوطنية في كل مجتمع. ولقد برز دور الأدب في مناهضة الاستعمار، ولكنه تركز بعد الاستقلال في تطوير الشخصية السودانية وتأكيد الهوية الوطنية، وللكلمة المكتوبة دور قوي في تثبيت المؤثرات والمتغيرات الفكرية والاجتماعية. في رواية (حجول من شوك) برزت فكرة الهوية السودانية من خلال شخصيات الرواية وصراعها حين اختلاطها بمجتمعات مختلفة ومغايرة، وبرز الاختلاف في محاولات إثبات الذات السودانية وسط تلك المجتمعات. وجاء هذا واضحا في شخصيات رواية (حجول من شوك). - أيضا في روايتك صهيل النهر كنت مهتمة بفكرة الاغتراب بالنسبة للمرأة السودانية. الآن هناك متغير اجتماعي
- بالنسبة للمرأة السودانية، ما رأيك ؟
- في مشروعي الإبداعي للكتابة اخترت الهجرة والاغتراب بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات على الشخصية السودانية كذات مقهورة سياسيا، أو ماديا، أو اجتماعيا. وكان تركيزي أكثر على المرأة المهاجرة. وبرز هذا بصورة واضحة في صهيل النهر، عبر شخصية (رجاء) بطلة الرواية المهاجرة إلى أوروبا ومدى الارتباك الفكري والحضاري الذي عايشته نتيجة لاختلاطها بمجتمعات مختلفة عن تلك التي عاشت فيها من قبل. وأيضا المتغيرات الاجتماعية التي حدثت للمرأة السودانية عبر التغير الاجتماعي والتاريخي في البيئة والمجتمع، حين كانت المرأة السودانية تمنع من السفر ومفارقة أهلها ومجتمها الصغير المحدود سواء في الأسرة أو القرية، ولكن بعد التطور الاجتماعي الهائل انتزعت حق السفر والعمل والدراسة داخل وخارج السودان.. مما يدخلها أحيانا في كثير من الإشكاليات صدام الحضارات. كما حدث للبطلات صهيل النهر القادمات من مدن وقرى نيلية صغيرة في مجتمع مدينة جنيف في سويسرة.
- أغلب شخصياتك هي شخصيات نسائية.. الجدل الدائر بين كتابة المرأة وكتابة الرجل، كيف تنظرين إلى هذا؟
-كما سبق وقلت في حوارات كثيرة إن مفهوم الأدب مفهوم إنساني شامل. وهو مفهوم فكري ولا وجود للتفاصيل البايولوجية في الكتابات الإبداعية إلا بمقدر المتغيرات المذاجية والشخصية سواء أكانت هذه المتغيرات عند الرجال أو النساء. المرأة يمكن أن تكتب عن شخصيات رجالية مثلما يبدع الرجل في الكتابة عن شخصيات نسائية. بكل ما فيها من عاطفة ورح وفكر مثل الشاعر نزار قباني والروائي إحسان عبد القدوس، وأيضا أحلام مستغانمي في رواية ذاكرة. بالإضافة إلى بعض كتاباتي في قصة( تحت ظلال الفانوس). ورواية (أغنية النار). - هناك جرأة في الطرح في بعض رواياتك ؟
- ربما لأنني أول كاتبة سودانية تناقش المسكوت عنه في وضوح وشجاعة. وهذا يرجع إلى قراءتي المتعمقة والباحثة في التراث العربي القديم التي أمدتني بقدر كبير من الجرأة والشجاعة. عموما إن الجراة صفة إيجابية مستحبة وليست سالبة، وأنا أكتب عن ما يجول في ذهني من أفكار وخواطر دون مواراة أو تلفيق، أو الخروج عن السياق الاجتماعي أو الشرعي. عندما خرجت كتابتي للنشر كنت امرأة ناضجة فكريا واجتماعيا، ولا تنسى أنني عملت مدرسة للغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية في السودان، وفي دولة الإماراتي. وهذا جعلني أختلف كثيرا من تجربة المرأة في الحياة العامة. أيضا اختلاطي بالمجتمعات الثقافية عبر معايشتي بعدد من المجتمعات في دول مختلفة مثل مصر والسعودية والإمارات أضافت لي الكثير. أيضا تخصصي في دراسة الأدب الإنجليزي أتاحت لي فرصة الدخول لمناطق فكرية عبر دراسات أكاديمية في الشعر والنقد والسرد والمسرح وكبار المشاريع الذين أثروا الحياة الفكرية بمفهوم الأدب الإنساني الشامل..
- صارت السيرة الذاتية مصدرا أساسيا لمعظم التجارب الروائية الجديدة ما رأيك؟
- الكتابة خصوصا في السرد وأعني القصة والرواية في معظم الحالات، تكون لها ظلال للحقائق المعاشة التي تمثل ركيزة يلتف حولها الخيال والمؤثرات الفكرية والاجتماعية للكاتب. وكتابة السيرة الذاتية صارت تتمثل في عدد كبير من الروايات مثل روايات المغربي محمد شكري وكثير من الكتاب. لكن كتابة السيرة تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والبوح، ونحن نفتقد هذا كثيرا في كتابات المبدعات العربيات، ونجد أن معظم الذين كتبوا سيرتهم الذاتية من الأدباء الرجال وقلة من الأديبات.
- من الملاحظ أن الشعر يطغى على كتابة الرواية لأن عدد النساء السودانيات الشاعرات أكثر من اللائي يكتبن الرواية؟
- -ليس في المجتمع السوداني فقط، إنما في كل العالم العربي يكون الشعر طاغيا وردوده الاجتماعية أسرع. بمعنى أن الشاعر يجد التشجيع والتصفيق والإعجاب فور الفراغ من إلقاء قصيدته وأحيانا في أثناء قراءته له. والشعر هو ديوان العرب كما ثبت في عقولنا منذ الصغر. ولكن المردود الاجتماعي لقيم السرد في القصة والرواية تحديدا تحتاج وقتا طويلا، وقراءة رواية ما ثم استيعابها في الذاكرة وتقييمها كمنتوج إبداعي مدهش لا تتم سريعا. ولكن الرواية الآن أخذت موقعها من التقدير والاحترام وصارت هي ديوان العرب الحقيقي بما فيها من توثيق التاريخ الاجتماعي والمتغيرات الإنسانية.
- لمَ العودة إلى الفكلور السوداني في رواياتك ؟
- -بحكم نشأتي في بيئة غنية بالتراث الشعبي بكل مظاهره من دوبيت وأحاجي وأغاني الحماسة والدلوكة في منطقة شندي فإن التراث يشكل جانبا كبيرا في مكوناتي الشخصية وفي كتاباتي الإبداعية. مما دفعني للدراسة الفلكلور أكاديميا ونيل شهادة الدبلوم العالي من معهد الدراسات الأفريقية الآسيوية بجامعة الخرطوم. وقد أفادني هذا كثيرا للتعرف على ثقافة تراث مناطق السودان المختلفة. ولديا كتاب عن دور الثرات في التربية والتعليم.
- كيف ترين علاقة المثقف بالسلطة.. والسلطة بالمثقف؟
-الإبداع يتطلب قدراً كبيراً من الحرية في التفكير وحرية التعبير والنشر من غير ذلك لا يمكن أن تقوم له قائمة. المثقف بطبعه يرفض أن تكون عليه قيود سلطوية، أي أن كان نوعها، اجتماعيا أو سياسيا، أو فكريا. بل إن بعض المبدعين يكون لهم شطط في بعض أفكارهم. والسلطة أيضا سواء أكانت مجتمعية أو سياسية لا تحتمل أبدا الخروج عن مسارها، وتكون حرية التعبير في نظرها تمردا ينبغي عدم السكوت عنه، ومن الصعب جدا خضوع المثقف الذي يعتز برأيه واستقلالية فكره، الخضوع تحت هيمنة سلطة لا يقنع بها، ومن هنا يكون التصادم والصراع.
