أجرت ” التحرير” حواراً مع مفوض مفوضية الحدود والخبير في القانون الدولي الدكتور معاذ تنقو عن ملامح الصراع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، ومالآت الصراع، والموقف القانوني السوداني، بجانب الصراع السوداني المصري حول حلايب، وامتدادت الصراع وتأثيراته في العلاقة بين البلدين ، والدور الدبلوماسي المنتظر في حلحلة إشكالات الحدود وقضايا ترسيم الحدود مع دول الجوار.
اولا ما طبيعة الصراع السوداني الإثيوبي على الحدود الشرقية؟
الصراع السوداني الاثيوبي قديم وممتد، وامتدت الصراعات الحدودية الشرقية بين الجيش السوداني والجيش الاثيوبي بعد التمادي الاثيوبي على الأراضي السودانية، والآن يسيطر الجيش السوداني على الفشقة الحدودية، ذات الاهمية الحدودية الاستراتيجية.
وتعدّ الفشقة جزءاً من ولاية القضارف، وهي تمتد علي طول الحدود السودانية الإثيوبية تقع في مسافة 168 كليو متراً، ومساحتها نحو 5700 كليومترات مربع، وهي تنقسم إلى ثلاثة اقسام ” الفشقة الكبري والفشقة الصغري والفشقة الجنوبية”، وهي بين أسيد ونهر عطبرة” وهي مناطق زراعية تصل إلى 600 ألف فدان، فمنذ خمسينيات القرن الماضي تسلل المزارعون الاثيوبيون للمنطقة، مما ادي الي إطلاق دعوات متكررة من السودانيين لرسم الحدود بين البلدين، ولكن الحكومة الإثيوبية في تلك المنطقة تحديداً رفضت إجراءات ترسيم الحدود بها، ، وكان ان توغل الجيش الاثيوبي في الأراضي الزراعية لمسافة 1500 فدان، وايضاً في عام 1995 تم اتفاق علي إخلاء المنطقة الحدودية من الجيش، ولكن اطماع الإثيوبيين وجدت دعماً خفياً من الحكومة علي تمويل المزراعين الاثيوبيين سراً.
وهذا ما أدى إلى مواجهات بين المزارعين السودانيين وميليشيات ” الشفته ” وقتل مجموعة من السودانيين.
وتعدّ مواجهات هذا العام نقضاً لاتفاق يتضمن مشروعات التنمية في الفشقة الصغري والفشقة الكبرى، وكانت الحكومة الاثيوبية داعمة لهذا التغول بتشييد عدد من الجسور والطرق لربط المناطق الداخلية علي نهر عطبرة.
ما الآثار القانونية المترتبة على النزاع، وخاصة أن الطرف الاثيوبي بدأ يتنصل من اتفاقية 1902م؟
أولاً يجب على اثيوبيا رسمياً الاتفاق لترسيم الحدود في اقليم الفشقة تحديداً بسبب سد النهضة، ولا ننسى ان هناك اتفاقية تمت بموجبها رسم الحدود في عهد الانجليزي في عام 1902 ما بين السودان واثيوبيا، فتوجد فى هذه المنطقة السواحل وجبال المرتفعات اثيوبية، والمنخفضة أي السواحلية هي سودانية . وظلت اثيوبيا علي امتداد حكوماتها المتعاقبة توجه انتقادات للاتفاقيات الحدودية حتي عهد الرئيس الاسبق جعفر النميري سنة 1972 وتم اتفاق مع رئيس وزراء اثيوبيا منجستو هيلا مريم ، وتم تقسيم خط حدودي يسمي بــ “كوتيي” ووافق الطرفان عليه.
يقر الاتفاق أن الأراضي السواحلية او المنخفضة هى أراضٍ سودانية والهضاب او المرتفعات هي اثيوبية. ولو نظرنا الي منطقة الفشقة تعد منطقة عالية الخصوبة، ولكن هناك اطماعاً من ولايتين اثيوبيتين لضم تلك الأرضي حتي تشمل كل الأرضي الفشقة السودانية حتي القضارف او حتي الخرطوم . فهناك سكان ولاية امهرة الاثيوبية يرون أنهم اثيوبيون اصيلون، ومن بني سيدنا سليمان، فزادت اطماعهم لضم كل الحدود السودانية إلى الخرطوم، وايضا بني شنقول التي انشيء عليها سد النهضة، وهذا ما نشاهده اليوم من قتل السودانيين فى تلك المناطق يومياً.
واتضح من التعدي المتواصل من الاثيوبيين علي الحدود السودانية والنقد المتواصل لاتفاقية 1902 وايضا اتفاقية جعفر محمد نميري 1972 بأن ذلك اعلان حرب علي السودان، وبات ذلك واضحاً. فنجد الاقليم الثاني التيغراي على الحدود السودانية وهو اقوي الاقاليم سياسيًا نقض جميع الاتفاقيات الحدودية الدولية، ويطالب بالانفصال بمفرده.
اذن ما وجه الشبه بين قضية الفشقة الحدودية وقضية حلايب فى الصراع الحدودي مع مصر ؟
يوجد على الحدود الشمالية الشرقية السودانية نالمتمثلة فى مثلث حلايب نزاع أيضاً، وهو يقع في الحدود بين الدولتين السودانية المصرية، ويعد منطقة تشبه “الارجوحة”، لكونها تقع بين الدولتين ، فالبداية كانت مع سيطرة محمد علي باشا علي حكم مصر 1805 الذي توسع وضم السودان الي إقليمه، وفي أثناء حكم ابنائه تمدد النفوذ البريطاني في مصر ، الي ان وقعت تحت الاحتلال الانجليزي خلال حكم الخديوي توفيق 1882م، وامتد الاحتلال ليشمل السودان، حينما وقعت مصر وبريطانيا معاهدة مشتركة لحكم السودان فى 1899م، وتم رسم خريطة وضعت مثلث حلايب تحت سيطرة المصريين، “لتتحرك الأرجوحة نحو مصر “، وبعد ثلاث سنوات أي في عام 1902 قامت بريطانيا بتغيير التبعية الإدارية لمثلث حلايب للخرطوم ، بدلا عن القاهرة، لكونه اقرب للعاصمة السودانية ،” لتذهب الارجوحة نحو السودان”، وبقيت المنطقة تابعة للسودان حتي عام 1958م، وعندها حاولت مصر “تغيير مكان الارجوحة “وارسل الرئيس المصري وقتها جمال عبد الناصر قوات عسكرية للمنطقة، وكاد الأمر يتحول الي صراع مسلح، ولكنه تراجع عن ذلك، واستمر الوضع هادئاً لفترة طويلة.
تعرض الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لمحاولة اغتيال فى عام 1995 فتحولت الاتهامات المصرية للحكومة السودانية بتدبير الحادث، فقامت القوات المصرية بفرض السيطرة الكاملة علي حلايب، وعادت المنطقة بالقوة لسيادة مصر، ليبقي الوضع فيه حتي اليوم.
الجهود الدبولماسية التي تقوم بها الحكومة السودانية هل تفي بمطلوبات المرحلة؟
هناك مجهودات دبلوماسية تقوم بها الحكومة، عندما حدث التوتر علي الحدود السودانية الاثيوبية علي صعيد الدبلوماسية، وهناك مجهودات مقدرة من منظمة القرن الأفريقي، بجانب وساطة من دولة جنوب السودان وزياراتها المتكررة للخرطوم لإذابة التوتر الحدودي بين السودان واثيوبيا، ولكن الرئيس الاثيوبي أبي أحمد رفض تدخل اي طرف ثالث، كما انه اتهم مصر بمساندة السودان عندما نشر على صفحته فى “تويتر” يدين مصر لمساندتها للسودان، وذلك تزامن مع تعرض الجيش السوداني الي كمين في منطقة ابوطيور الحدودية مع اثيوبيا، رغم تاكيدات رئيس مجلس السيادة البرهان فى زيارته لمدينة لقضارف وخطابه بضرورة المحافظة علي العلاقات بين الدولتين ، وفى المقابل كانت تغريدات رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد تتزامن مع استدعاء السفير السوداني ومنددا ما قام به الجيش السوداني، وكان رد السفير موضحاً “أن كل الأمر ان الجيش السوداني في ارض سودانية حسب اتفاقية 1902”.