يبدو أن السودان مقبل على مرحلة شائكة ومعقدة في نظام الحكم وسياساته الخارجية والاقتصادية، تتطلب من الجميع السمو فوق الخلافات الشخصية والنزاعات الجهوية والعنصرية والقبلية، إذ أن محصلة التحول المرسوم في السودان خارجياً قد حان أوانه، وهو تحول يمكن أن يكون مفيداً للسودان في أمنه واستقراره ورفاهية شعبه، أو أن يقود إلى الخطة (ب) المرسومة أيضاً خارجياً وقبل سنوات، وهي خطة تقسيمه إلى خمس دويلات صغيرة ضعيفة مغلقة دون سواحل مائية، عدا المنطقة الشرقية المطلة على البحر الأحمر مما يضعف الأربع دويلات الأخرى في دارفور، كردفان، الوسط والشمال.
ما يؤكد أن وقت إعمال الخطة (أ) وهي حكم السودان موحداً بنظام فيدرالي من (6) أقاليم، وقيادة اتحادية قوية موالية للمحور الذي رسم الخطتين (أ) و(ب)، وهو محور أمريكا، انجلترا والنرويج (ترويكا) معهم محور السعودية والإمارات وإسرائيل هو كالآتي:
أولاً: الزيارات الدولية غير المسبوقة خلال شهور، وهي زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق بومبيو التي ساندت بداية التطبيع مع إسرائيل، وأدت إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبداية الدعم الاقتصادي الأمريكي وإرهاصات دخول شركات أمريكية وإسرائيلية في الاستثمار في السودان خاصة في الزراعة.. زيارة وزير الخزانة الأمريكي السابق متزامنة مع زيارة مديرة البنك الأمريكي للإستيراد والتصدير، وأخيراً زيارة وزير الخارجية البريطاني وكلها زيارات غير مسبوقة على مستوى رفيع في دول عظمى.
ثانياً: بداية وصول بعثة الأمم المتحدة الإدارية تحت الفصل السادس (يونيتامس) حسب قرار مجلس الأمن رقم (2525) لتقوم بالمهام التالية:
الإنتقال إلى الحكم الديمقراطي، وضع الدستور، التعداد السكاني، تنفيذ احترام حقوق الإنسان على وجه الخصوص في المساواة وتحمُل المسؤولية عن الممارسات وحكم القانون، خاصة في الجوانب التي تؤكد حقوق النساء واتفاقية السلام الموقعة في جوبا، وتساعد البعثة في تنفيذها خاصة فيما يتعلق بتحمل المسؤولية القانونية عن الأفعال والعدالة الإنتقالية بما يشمل العنف الجنسي والجسماني، وكذلك المساعدة في عمليات نزع السلاح وتسريح ودمج القوات ومراقبة وقف إطلاق النار الدائم.
تساعد بعثة اليونيتامس حكومة السودان في بناء قدراتها بفرض هيبة الدولة والحكم المدني من خلال المساءلة وحكم القانون وبناء الأجهزة الأمنية، كما تقوم البعثة بتقديم المساعدات الفنية للأجهزة الأمنية خاصة قوات الشرطة، تقوم البعثة ببناء القدرات الاقتصادية وربطها بالقدرات الاقتصادية الدولية من أجل تنمية السودان بالتنسيق مع الدعم الإغاثي العاجل. كان ذلك الجزء المهم من مهام بعثة اليونيتامس والذي يشير إلى تدخل البعثة في كل ما يختص بإدارة السودان في الفترة الإنتقالية.
ثالثاً: زيارة قائد الأفريكوم الأمريكية للخرطوم ومقابلة كبار المسؤولين ومخاطبة قيادات الجيش في أكاديمية نميري العسكرية.. ما هي الأفريكوم؟:
الأفريكوم واحدة من 11 قيادة أمريكية عسكرية مقاتلة منتشرة في كل العالم ورئاستها في شتوتقارت بالمانيا، وهي مسؤولة عن القيام بكل عمليات أمريكا العسكرية في أفريقيا، بما في ذلك التدخل في النزاعات المسلحة في أي دولة أفريقية وخلق علاقات وطيدة مع جيوش البلدان الأفريقية.. تشمل دائرة عمليات الأفريكوم كل دول أفريقيا (53) دولة ما عدا مصر، التي تتبع لقيادة أمريكية من الـ11 قيادة تسمى القيادة الوسطى التي أنشئت عام 1983 وتضم الشرق الأوسط، وسط وجنوب آسيا والتي شاركت في حرب الخليج، حرب العراق وأفغانستان.
أنشئت أفريكوم في الأول من أكتوبر 2007 وبدأت العمل في أكتوبر 2008 وشاركت في القتال في ليبيا، الصومال، نيجيريا وساحل المغرب في تحطيم قدرات الفصائل المسلحة مثل داعش، الشباب الصومالي وبوكو حرام وغيرها.
كل ذلك التدخل تحت بند مهم هو حماية الأمن القومي الأمريكي الذي يمتد خارج حدودها، تملك قوات الأفريكوم أسلحة متطورة جداً تبعدها عن المواجهات الأرضية مع أي فصائل مسلحة في أي دولة تهدد مصالح أمريكا، مثل الطائرات المسيرة والتي تم استخدامها بكفاءة عالية في محاربة فصيل الشباب الصومالي، تعمل قوات الأفريكوم بتنسيق كامل مع سفارات أمريكا في أفريقيا خاصة الجناح الأمني والاستخباراتي في أي سفارة- سفارة أمريكا في السودان بها أحدث وأقوى أجهزة تصنت ومتابعة في العالم.
بمراجعة مهام البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) خاصة الشق الأمني ودورها فيه كما أوضحنا، ومضاهاتها بمهام ومسؤوليات الأفريكوم، نجد صلة أو اتساق كل ذلك مقروناً مع الاهتمام غير المسبوق من أمريكا بالسودان، مما يجعله تحت دائرة الأمن القومي الأمريكي، عندما تبدأ أمريكا كإدارة سياسية في تقديم المساعدات والدعم للسودان ودخول شركاتها الكبرى في مجالات الإستثمار الضخم في السودان، في مجالات الزراعة وصناعاتها التحويلية مثل النسيج، والصمغ العربي والتعدين والبترول، عندما يحدث ذلك على أرض الواقع يكون السودان جزءا من الأمن القومي الأمريكي المحمي بالأفريكوم.
في تقديري إن ما يحدث الآن في السودان من اهتمام أمريكي تحول نوعي إيجابي، وفرصة ذهبية لإقامة دولة سودانية قوية اقتصادياً بعد استغلال كل ثرواتها الهائلة تحت رعاية المحور الأمريكي الأوروبي والخليجي، يجب أن يقابله المسؤولون والقيادات السياسية في كل الأحزاب والتنظيمات السياسية وفصائل الكفاح المسلح العائدة بعد اتفاق جوبا، يجب مقابلته بكل همة وتجرد ونكران ذات، بعيداً عن المصالح الشخصية والجهوية والقبلية والعنصرية، وأن تعمل الحكومة الجديدة في تناسق وانضباط تامين حتى تنتشل البلاد من هاوية التمزق والإنفراط الأمني، والانهيار الاقتصادي الكامل والذي إن حدث فسيقود مباشرة إلى تدخل الأفريكوم بتوصية من اليونيتامس، مما يمهد الطريق إلى إعمال الخطة (ب) وهي تقسيم السودان وضياعه إلى الأبد، ويتحمل هذا الوزر كل مكونات الحكم الآن المتمثلة في مجلس السيادة ومجلس الشركاء ومجلس الوزراء وفصائل الكفاح المسلح ومكونات الحرية والتغيير حاضنة الثورة الأساسية التاريخية.
السمو فوق الصغائر والمصالح الشخصية والجهوية والقبلية والعنصرية هو مفتاح وكلمة السر في الحفاظ على سوداننا الحبيب.