تموج الساحة السياسية السودانية بعدد لا نهائي من التصريحات والمواقف المتابينة والمتضادة، وبين كل هذه التصريحات لا تجد شيئا اسمه برنامج الحكومة الانتقالية الجديدة! هل البرنامج هو اتفاقية السلام؟ هل البرنامج هو نداء الحرية والتغيير؟ هل هو برنامج البديل الديمقراطي؟ هل هو برنامج العقد الإجتماعي الجديد؟ هل هو الإطار العام الذي أعلنه حمدوك في نهاية ٢٠١٩؟ أين هو برنامج الحكومة؟ وهل كانت المحاصصات هذه بلا اي اتفاق مسبق على برنامج حكومي شامل ومتفق عليه بين الجميع؟ ألا يستحق الشعب ان يعرف بالتفصيل برنامج حكومته؟
كان المأمول ان تطرح الحكومة الانتقالية الجديدة برنامجا واضحا للشعب، بجداوله واولوياته وميزانياته، وتوفر بذلك على الجماهير عناء البحث بين القنوات والصحف عن برنامج كل وزير وكل وزارة وبرنامج الحكومة، طرح البرنامج كان يمكن أن يمتص الأصوات الصاخبة المتضاربة التي تسود الساحة، ويجتذب انتباه الجماهير ناحية الأهداف المهمة ويبعدها عن الجدل الذي لا علاقة له ببرنامج الحكومة المطلوب تنفيذه. أكثر من متحدث باسم الحكومة وقحت طرح رؤوس افكار عامة عن البرنامج لم تشف غليل احد، ولا تمثل ترياقا يعالج نهم الشعب لمعرفة الاجابة على سؤال ( الحكومة دي سايقانا وين؟)، لذلك مهم ان تطرح الحكومة برنامجها علنا.
لا يوجد مجلس تشريعي حتى الآن لكي يقدم السادة الوزراء برنامجهم هناك أمام ممثلي الشعب، اذا فليقدموه لبرلمان الشعب عبر التلفزيون والإذاعة القومية، فليخصص التلفزيون القومي منبرا أسبوعيا للوزارات لتقدم فيه كل وزارة على حدة برنامجها للجماهير، يخرج الوزير وطاقم وزارته امام الشعب ويطرح برنامجه الذي يزمع تنفيذه والوسائل التي سيستخدمها، والأهداف والفوائد المتوقع تحقيقها، والتحديات والعقبات التي ستواجه الوزارة وطرق التغلب عليها، ودور المجتمع والجماهير المطلوب، ويكون ممتازا أن تطرح الوزارة برنامجها على صفحتها الرسمية وتتلقى ملاحظات وتعليقات الجماهير. هذه الطريقة ستكون ناجحة جدا في تقريب الحكومة للجماهير، وسوف تظهر الحكومة في ثوب قشيب من الشفافية والمنهجية العملية والعلمية، وسترسي ممارسة سياسية رشيدة، وفوق ذلك سترفد الوزارة برد فعل الجماهير على برنامجها، فتستفيد من ذلك في مرحلة التطبيق والتقييم ومواجهة التحديات.
لا نريد أن تواصل حكوماتنا برامج (الغمتي) التي لا يعلم احد عنها شيئا حتى يتفاجأ بتنفيذها، ولا نريد أن تعتمد حكومة الثورة على برنامج رزق اليوم باليوم فهو لن يقودها الا إلى مزيد من الانهيار والانحطاط، ليس هناك داع للخوف من مواجهة الجماهير ببرنامج الحكومة، فالطريقة الوحيدة لاكتساب ثقة الشعب هي الشفافية، والطريقة الوحيدة لكسب دعم الشعب هو اشراكه بالحديث اليه والاستماع له وتقدير ما يقول، انتهى عهد المكاتب والعمل في الظلام، وجاء عهد العمل على المكشوف تحت الشمس والأضواء الكاشفة، فهل حكومتنا على قدر هذا التحدي؟!
sondy25@gmail.com