غادر الاستاذ فيصل محمد صالح وزارة الإعلام وحل محله الاستاذ حمزة بلول، فيصل شخصية معروفة وإسم ضخم واجتهد في فترته بما استطاع وجاء دور بلول، ودورنا ان ننبه الوزير الجديد، بنفس طريقة تنبيهنا لفيصل حين تولى الوزارة، إلى خطورة الموقع الذي يشغله وقيمته والقدرة التي يختزنها الإعلام والفائدة المرجوة منه في دعم الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي.
الإعلام في العصر الحديث من اقوى الأسلحة، والإعلام الإلكتروني من امضى الأدوات الحديثة فعالية ونفوذ في تغيير الاتجاهات وصناعة التغيير، ويمكننا فقط ان ننظر إلى الوراء قليلا في التاريخ وسنجد أن ثورة ديسمبر كانت تدار بصفحة فيس بوك لتجمع المهنيين، صفحة فيس بوك فقط أسقطت نظام حكم متسلط لمدة ٣٠ سنة! هذه هي قوة الإعلام الإلكتروني، كما لا يمكنك أن تتجاهل قوة الصحف والقنوات الفضائية، وليس خفيا أثر قنوات فضائية كالجزيرة مثلا في الإقليم.
الانقاذ علمت خطورة الاعلام، لذلك استخدمته بمكر من خلال سيطرتها على الاعلام القومي المشاهد والمسموع، وعملت في سنينها الأولى على حشد الجماهير لمشروعها الديني عبر برنامج في ساحات الفداء وعبر اناشيد الفرق الإنشادية، واستطاعت أن تجتذب بذلك عدد لا يستهان به من العامة، عملت الانقاذ من خلال إعلامها المؤدلج على مسح هوية الأمة السودانية وتحويلها إلى نسخة من هويتها الاسلاموية، فاجتهدت في غسل ادمغة الشباب والعامة عبر برامجها الموجهة، لتحويل الشعب السوداني من شعب مثقف ومهتم بالاداب والفنون إلى شعب سطحي بلا وعي عميق، كانت الإنقاذ تطبق حرفيا مقولة ذلك النازي القائل: (أعطني إعلاما بلا ضمير، أعطيك شعبا بلا وعي).
الاستلاب الإعلامي الذي تعرض له الشعب خلال ثلاثين سنة هي عمر الانقاذ يضاعف من ثقل مهمة وزير الإعلام في الحكومة الانتقالية، ويجعله امام تحد واضح المعالم ولكنه صعب، يتمثل في إستعادة وعي الشعب السوداني من غياهب الشمولية والفساد والذاتية والعودة به إلى فضاءات الحرية والعدالة والمشاركة والديمقراطية.
استعادة دور الأجهزة القومية المرئية والمسموعة لتكون معبرة عن جميع ابناء الوطن، وتحويلها الى منصات إعلام حر، مفتوح على بناء الذات الوطنية، ومتجه نحو تجذير أسس المواطنة المتساوية وتثبيت مفهوم حكم القانون في العقول، هو الدور الحيوي المفترض الاهتمام به من الوزارة، مع العمل على ضمان نقاء الجو الإعلامي العام من أساليب الترهيب والمصادرة وحرمان الصحفيين من الكتابة وغيرها من الممارسات المنتهكة لحرية الاعلام التي كانت عادة ثابتة من عادات النظام البائد منذ الانقلاب وحتى السقوط.
يمكنك صناعة امة متحضرة بعد قرن من الزمان من خلال التعليم في المدارس، بينما يمكنك صناعة هذه الامة خلال ربع هذه المدة بمساعدة الإعلام الفعال، لذلك يحتاج وزير الإعلام إلى صناعة اعلام تغييري فعال، اعلام جاذب يخاطب كافة شرائح المجتمع وكافة اعراقه وثقافاته، ليمزج كل هذا الخليط في وطن المواطنة والعدالة، تقاعس الإعلام عن القيام بهذا الدور سيفتح الباب لخفافيش الظلام سود الضمائر والقلوب من أنصار الدولة العميقة واتباع الأيديولوجيات المنكفئة، فتنهزم مشاريع التغيير أمام مشاريع الفوضى، فلتنتبه يا سعادة الوزير.
sondy25@gmail.com