لا أعرف لماذا يصر بعض الأشقاء المصريين من إعلاميين وفنانين ورياضيين على الإساءة لبلدهم بكل عراقته وحضارته، قبل أن يسيئوا إلى الآخرين بتعليقات يظنونها “خفيفة الدم”، بينما هي في الحقيقة تعبر عن غباء أصحابها وسذاجتهم، وعدم استحقاقهم الهالة الإعلامية التي تحيط بهم.
أذكر مباراة منتخبي مصر والجزائر الشهيرة في بطولة أفريقيا المؤهلة لكأس العالم التي جرت على استاد المريخ في عام 2009م، وكانت سبباً في توتر دبلوماسي بين الدول الثلاث بسبب أكاذيب فنانين ولاعبين مصريين، إذ صوروا الحدث على غير حقيقته، حتى خيل لمن يستمع إليهم أنهم في أرض معركة يحاصرهم فيها السودانيون والجزائريون، بينما الواقع أن الشعب السوداني تصرف بما يليق بقيمه الحضارية والإنسانية، فأكرم وفادة الفريقين وجمهورهما، مهما حدث من تعاطف مع هذا الفريق أو ذاك، وقد اعترف الأصيلون من المصريين الذين شهدوا المباراة بوجود تعاطف واضح من الجمهور الرياضي مع منتخب مصر، مع تعاملٍ راق في الشارع السوداني مع الضيوف، إلى جانب الضيافة الرسمية، والإجراءات التي تليق ببلد مؤسس للاتحاد الأفريقي.
إن الإساءات التي تناثرت من بعض من يحسبون على الإعلام الرياضي المصري في محاولة للنيل من فريق المريخ العريق، الفائزة بالكأس الحاملة اسم أيقونة أفريقيا مانديلا، هي في الوقع استمرار لممارساتهم المسيئة لمصر وإعلامها، فقد استمرأ هؤلاء استخدام العبارات “الشوارعية” التي تعبر عن تربيتهم، وعن أخلاقهم ضد اللاعبين والمسؤولين داخل مصر وخارجها، ولم ينج من بذاءة ألسنتهم أحد.
ومن يقوقل (يبحث في قوقل) عن أسماء الذين أساؤوا للمريخ سواء المحللان (لا يستحقان ذكر اسميهما) أو ذلك اللاعب الذاهب العقل سيجدها مرتبطة بممارسات لا تمت للرياضة بصلة، ولكن ما يحزن أن يترك هؤلاء ليسيئوا إلى مصر وإعلامها الرائد بسلوكهم المشين، وآرائهم وكلماتهم التي تحاول النيل من الآخرين بكلمات ألطف وصف لها أنها “قلة أدب”، أو “قلة رباية” على رأي المصريين.
إن من لا يستطيع أن يمسك لسانه المعتاد على البذاءة حين يطل عبر الشاشات ليخاطب عموم الناس في مشارق الأرض ومغاربها يجب أن يردع، ويحرم من الفسحة في الفضائيات؛ لأن حدود الحرية منتهاها عندما تمس حريات الآخرين، وكرامتهم.
لست مع التعميم، ولا مع أن يكون موقفنا من هؤلاء موقفاً من مصر، لأننا نثق بأن فيها رجالاً راشدين قادرين على تصحيح الوضع، وتغليب المصالح العليا لبلادهم، والمحافظة على صورتها في أذهان الآخرين، الذين يربطون بينها وبين التحضر، وكرم الضيافة، وسعة الأفق، حتى اتخذها كثيرون وطناً ثانياً لهم.
الرياضة دبلوماسية شعبية تبرز ما في كل شعب من قيم ومبادئ وسلوكيات، والإعلام يعكس ذلك كله للدنيا، فالخاسر في حالتنا هذه هي مصر، إذا تركت هؤلاء يحولون قواها الناعمة إلى خناجر في خصر قيمها الحضارية.
وقد كان الشاعر الجميل هشام الجخ أبلغ من عبر عن مآلات سلوكيات هؤلاء، حين قال:
أتجمعنا يد الله وتبعدنا يد الفيفا.
وقد جمع الله بين مصر والسودان بعرى لا تنفصم، إلا أن فاقدي التربية والتأهيل العلمي والأهلية العقلية ممن يتصدرون المشهد الإعلامي يستحقون وقفة تليق بأخت بلادي الشقيقة، فهم يعطون الفرصة بمن يتربصون بعلاقاتها مع الدولة الصديقة والشقيقة، التي يأتي السودان في مقدمتها، لكونه الأكثر ارتباطاً وصلة بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، شاء من شاء، أو أبى من أبى.