يصف مؤيدو توحيد سعر صرف الجنيه السوداني القرار بأنه شجاع، وتصحيح لوضع مقلوب، إذ كان السعر الرسمي بعيداً من الواقع، مما أتاح لتجار العملة فرض سطوتهم وكلمتهم، لتخسر الدولة، ويفوز تجار السوق السوداء بالغنائم من العملة الصعبة.
حذر المعارضون للقرار من ارتفاع كبير في قيمة الدولار مقابل الجنيه، وهذا ما سيؤثر حسب تحذيرهم في ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات لا قبل للمواطن المسكين بها.
ويتفق الفريقان على ضرورة إحداث إصلاحات اقتصادية عميقة، قوامها الإنتاج، وإيجاد العوامل التي توفر بيئة صالحة للاستفادة من القدرات البشرية المهدرة في الوقت الحالي في الأعمال الهامشية والسمسرة، إلى جانب تجارة العملة والسموم المهلكة للاقتصاد، والموارد البشرية.
إن العامل الرئيس في تغيير الواقع الاقتصادي يتمثل في الأساس في تحقيق الأمن والاستقرار، وإشاعة الطمأنينة في المجتمع، حتى يستطيع أفراده العمل في المجالات التي تناسب تأهيلهم وقدراتهم، كما أن الاستقرار يعدُّ عنصر جذب للمستثمر الأجنبي، الذي يمكن بمشروعات اقتصادية حقيقية أن يستوعب العمالة، ويحقق الإنتاج في قطاعات حيوية كالزراعة والصناعة، ومن ثم التصدير؛ لتجني الدولة عملات صعبة تحتاج إليها لتغيير وجه الحياة في بلد يعيش بعيداً عن العصر.
لن يدخل كثيرون في عجلة الإنتاج ما لم تحل مشكلة اللجوء والنزوح، وإعادة اللاجئين والنازحين إلى مواطنهم الرئيسة، ليقوموا بإعمارها، وبإدخالها في دورة الاقتصاد الوطني.
لكن ما نراه من قوات تنتشر في قلب العاصمة، وتثير من التساؤلات ما يشكك المواطن في إمكان وجود أمن واستقرار ينعم بهما، حتى يمضي آمناً إلى العمل، والإنتاج، يجعل كثيرين يستنتجون أنه لا أمل في أي سياسة اقتصادية يمكن أن يكون لها ثرها في واقع الناس.
ما يبعث على الأمل في ظلّ هذا القرار المثير للجدل التجاوب الإيجابي من كثير من المغتربين والمهاجرين السودانيين معه، وتبنيهم مبادرات من أجل التشجيع على التحويل عبر المصارف الرسمية، وهذا ليس بمستغرب منهم، فقد تحمّلوا على مدى سنوات طويلة إقالة عثرة الوطن، وتكفلوا بالصرف على أسرهم المطحونة في كل المراحل السابقة، بل قاموا بمشروعات هي من صميم عمل الحكومة، مثل إقامة المنشآت الحيوية، والبنى التحتية، إلى جانب الصرف على التعليم والصحة من حر مالهم.
إن على الدولة وهي تلمس هذا التجاوب من المغتربين أن تقرّ سياسات تجعلهم جزءاً من حلّ المعضلة الاقتصادية المرشحة للتفاقم، وذلك بالنظر إلى مطالبهم التي ظلّت معلّقة على مدى سنوات طويلة، ومنها إصلاح الجهاز الذي يمثلهم، ليكون معبراً عنهم، وعن طموحاتهم في المشاركة الفعالة في التحوّل الذي يعيشه بلدهم.
لست اقتصاديّاً، ولكن ما أعرفه أن التعويل على الإنسان السوداني صانع الثورة هو أساس الحلّ لما نعيشه من فوضى ضاربة بأطنابها، كما أن التعايش السلمي هو المفتاح لنأخذ من هذا الإنسان أجمل ما يملك من عطاء مخلص، وطاقة خلّاقة.