صحيفة الديموقراطي
الخميس 25 فبراير ٢٠٢١
الأحزاب السودانية وخصوصاً التقليدية منها شأنها وشأن سائر البنيات التحتية في السودان تعاني الكثير من المُشكلات ، المُتعلِّقة بأنظمتها الداخلية ومناهجها الفكرية ودوائر علاقاتها وتفاعُلاتها مع الواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي ، ومثلما يُوصف الإقتصاد والبنى التحتية في السودان بالتخلُّف ، جاز أيضاً أن نصف أحزابنا السودانية بذات الصفة ، فقد ظلت وعبر الحقب الديموقراطية القصيرة المدى التي توالت على الحكم في البلاد ، أقل بكثير من تطلُّعات المواطنين وكان ضعفها بائناً حد التخاذُل عن تحديات تلك المراحل التي حق لنا وبكل ثقة أن نصفها بالتاريخية ، فلا إستطاعات حينذاك عبر مُخطَّطاتها التي ترفع شعار الديموقراطية أن تحافظ على المسار الديموقراطي وتحميه من المُتربصين ، وفي ذات الوقت لم تستطيع أن تُقنع الشعب السوداني (خارج عضويتها وعُصبة المنتمين إليها) بأنها تُمثِّل بديلاً (مأموناً) لأنظمة الحُكم الشمولية التي تواترت على حُكم البلاد ، والتي أسهبت في إعمال كافة الأدوات المُتاحة لهدم الأحزاب السودانية وإفقارها وإفراغها من طاقاتها وقُدراتها ، تحجيماً لنشاطاتها المُعارضة والمُهدِّدة لإستمرار حكم الشموليات كُلٌ حسب تقديراتهُ وأحوالهُ الخاصة بالراهن السياسي المحلي والإقليمي والدولي.
والغريب في الأمر أن هناك أصوات كثيرة تنتمي إلى فئةٍ لا يمكن نُكران أنها مُصنَّفة تحت مصطلح (مُستنيرة) ، تُجاهر بمُعاداة الأحزاب السياسية على (العموم) ، وتتَّهمها بأنها السبب الرئيسي فيما آل إليه أمر البلاد والعباد من سوء لا يخفى على عين حصيف ، وفي ذات الوقت نفس هؤلاء الأشخاص يدعون وبتعصُّب إلى تأييد المسار الديموقراطي وإعتماده خياراً أوحداً لحُكم البلاد ، ليتبَّدى إلى الأذهان السؤال المُحيِّر (وكيف يُمكن أن يُحكم السودان ديموقراطياً دون أحزاب) ، ولمن تُقام الإنتخابات وعبر أيي هيئة يمكن للمؤهلَّين للحُكم أن يطرحوا رؤاهم ويرشِّحوا أنفسهم لتولي أمر القيادة السياسية ، كل ما سبق يؤكِّد أن السجال الدائر الآن يعمل على تكريس صورة (خيالية) للمسار الديموقراطي لا تظهر الأحزاب في أبعادها الأساسية ، ثم لا يطرح هذا السجال أية بدائل تُكمل هذا التصوُّر وتُفسِّر كيفية عمل آلية الحُكم الديموقراطي ، ووفقاً لما سبق لا يحتاج المُغالطون إلى إثبات عدم إمكانية قيام نظام ديموقراطي دون وجود أحزاب ، تعمل على إرساء رؤية (مٌتغيرة) في أزمان مختلفة لمناهج ومُخطَّطات إدارة البلاد ، على أن يكون ذلك في إطار رؤية إستراتيجية عامة يتم التوافق حولها عبر الدساتير والقوانين والمعاهدات وربما الأعراف المتواترة.
وإن كان هناك ما يجب الإلتفات إليه عاجلاً في إطار تمتين بنية المسار الديوقراطي ، فهو بكل تأكيد موضوع تأهيل الأحزاب ودفعها عبر آليات تدريبية ولائحية تُشرف عليها الدولة ومُنظَّمات مُتخصَّصة (لتعويض) ما فاتها من تقادُم زمني في إطار مشاركتها في آلية الحكم السياسي السوداني ، هذا فضلاً عن توسعة دائرة تلاقح نشاطاتها البينية في الإطار الإداري والفني والسياسي والمنهجي والإعلامي والتنظيمي ، وكذلك إخراجها من دائرة الإفقار المادي واللوجستي حتى تستطيع الإضطلاع بدورها الطليعي و الطبيعي في (إدارة) النظام الديموقراطي والتمكُّن من إستخدامهِ كأداة فعَّالة في إدارة البلاد وقيادتها نحو التنمية المُستدامة والسلام الدائم والمؤسسية الفاعلة.