نتيجة للحرب في الجنوب سحبت الإنقاذ القوات المسلحة من الحدود الشرقية واتجهت بها جنوبا، فكانت فرصة تمددت فيها المليشيات والعصابات الإثيوبية واحتلت أراضي السودان في الفشقة وما حولها، اتفاقية جوبا للسلام أحدثت اختراقا في قضية الحرب، وكذلك فعلت ثورة ديسمبر التي جعلت الحركات المسلحة أخلاقيا غير قادرة على مواصلة الحرب ضد حكومة الشعب، هذا الواقع ساهم في إعادة انتشار القوات المسلحة في الحدود الشرقية واستعادة أراضي السودان، خاصة بعد التطورات الإثيوبية الداخلية الأخيرة التي جعلت المليشيات الإثيوبية تخلي هذه الحدود، مما جعل الجيش يستعيد أراضي السودان بلا حرب.
هذا الحدث هو من أبرز مكاسب الثورة والسلام وهي مكاسب لا يلقي لها الكثيرون بالا، مكاسب توقف الحرب بين أبناء الوطن الواحد واتجاه القوات المسلحة نحو حماية الحدود، وبدل ان تتجه بنادق السودانيين نحو صدور بعضهم البعض، أصبحت تتجه نحو الخارج، نحو حماية حدود السودان واراضيه من المليشيات والمتفلتين والعصابات الدولية، وهو توجه سيساهم بعد اكتمال السلام في توحيد القوات المسلحة وتوحيد مهامها.
السلام في دارفور بعد اتفاق سلام جوبا أصبح يتمدد وشهد على ذلك تقرير مجلس الأمن الأخير الذي اجازه بالاجماع والذي حوى إقرارا واضحا من المجلس بالانحسار التام للعنف والأعمال القتالية في دارفور، حيث أورد التقرير أن كل المناطق عدا جبل مرة قد خلت من مظاهر العنف والعمل المسلح، هذا التقرير يدعم التحول السوداني الذي أحدثته ثورة ديسمبر والمتجه نحو تحقيق السلام وإيقاف الحرب وجعل السلاح فقط بيد القوات المسلحة الموحدة من أجل حماية الوطن وحدوده وليس من أجل قتل بعضنا البعض.
هذا التحول للاسف يعرقله امتناع حركة الحلو وحركة عبدالواحد عن الاستماع لصوت الجماهير ونداء الشعب الثائر بالانضمام للسلام، متمترسين خلف أجندة متعصبة وقهرية، لا يستوعبون ان السودان تحول بفعل ثورة ديسمبر تحولا جوهريا وان مشاركتهم في هذا التحول لا يجب أن تكون عبر فرض الشروط القاسية وغير الموضوعية من عل، وإنما يجب أن تكون عبر المشاركة الإيجابية من داخل الخرطوم ومن بين الجماهير في المدن والارياف ومن منابر السودان القومية اذاعة وتلفزيونا، ومن خلال المناهج الدراسية وقوافل الثقافة وبناء المزاج العام الوطني. مجلس الأمن الدولي فطن لهذه العرقلة حيث أبدى في اجتماعه الاخير استعداده لإعادة النظر في فرض عقوبات محددة على المجموعات المسلحة التي ترفض الانضمام إلى عملية السلام، وهو إقرار دولي بأن الفرصة مواتية للسلام ولا داعي للتعنت من قبل حركة الحلو وحركة عبدالواحد.
فرصة تاريخية تلوح في الأفق لتحقيق السلام الشامل خلال الفترة الانتقالية التي يتشارك في قيادتها أكبر تحالف سوداني في تاريخ البلاد، فرصة نادرة ان يستمع السودانيون إلى بعضهم البعض وان يلتقوا جميعا بقلوب مفتوحة في مؤتمر جامع يناقش الهوية وقضايا الحكم والتنوع والسلام، فرصة تاريخية ان يتشارك الجميع في إدارة هذه الفترة الانتقالية ويدخلوا معا جميعا للانتخابات العامة ببرامج سياسية يكون الفيصل فيها لشعب السودان ليختار قادته وحكامه بحرية وسلام، فرصة تاريخية أن تنتهي الحرب ويتفرغ الجميع العمل والبناء.
sondy25@gmail.com