أعلنت وزارة التعليم العالي عن اكتمال الاستعدادات لإعلان نتيجة القبول للجامعات للعام الدراسي الجديد يوم الخميس القادم، التي لا تزال تعتمد على النمط التقليدي باعتماد نسبة النجاح العامة التي تضم مواد لا علاقة لها بالتخصص كأساس للقبول، بدلاً عن اعتماد مواد التخصص فقط، او اضافة خيارات جديدة مثل تخصصي الاحياء الجزيئية، والتقنية الحيوية، اللذين لا غنى عنهما للتقدم والتطور العلمي!
أذكر أنني نشرت مقالاً قبل بضع سنوات للأستاذ (حسين المتكسي) يقول فيه: “أطلعت على إحصائية للتميز العلمي في الوطن العربي، وتحديداً في مجال الكيمياء الحيوية والأحياء الجزيئية، وجاء السودان في المرتبة الاخيرة على مستوى الإنتاج البحثي، ولا يوجد اسم باحث سوداني واحد على مستوى الافراد المتميزين .. فلماذا هذا الاخفاق المريع”؟!
للإجابة على السؤال، دعونا ننظر للمسألة منذ بدايتها..
في مطلع أغسطس من كل عام، تُعلن نتيجة الشهادة السودانية، وسرعان ما يعقبها الترشيح والقبول للجامعات والمعاهد العليا، وكلنا يذكر أول الشهادة السودانية سنة 1983، النابغة (خالدة عباس رمزي علي بكار)، التي أحرزت نسبة نجاح غير مسبوقة وقتذاك، كانت 90.5% ، وكأول طالبة تحرز هذه النسبة في خلال 50 عاماً!!
تقدمت (خالدة) بطلب للالتحاق بكلية الزراعة جامعة الجزيرة، وقامت لجنة القبول بشطب اسمها من كشف كلية الزراعة، ووضعتها بكلية الطب، فاستأنفت خالدة القرار وتم قبولها بكلية الزراعة حسب رغبتها وتخصصت في وقاية النباتات، والتي تخرجت منها بمعدل غير عادي، في العام 1989، واسمها الآن موجود في لوحة الشرف بجامعة الجزيرة.
كان أحد الأسباب التي دعت (خالدة) لاختيار كلية الزراعة والإصرار عليها، أنها نشأت في بيت تحفه الأشجار، ولاحظت أن بعض الأشجار تموت، ولا تجد من يعالجها، وعرفت أن حاجة الأشجار للعلاج، تماما مثل حاجة الانسان فقررت دراسة الزراعة!
سردتُ هذه القصة، لأن طلاب اليوم مساكين، لا يعرفون ماذا يريدون، ومعظمهم يقدمون حسب رغبات أهلهم وليس حسب رغباتهم هم، وهو ما يؤدي الى عشوائية الدراسة في كثير من المجالات المهمة والتي تحتاج اليها البلاد بطبيعتها، كتخصصات الزراعة والإنتاج الحيواني والبيطرة .. فالكل يريد ان يدرس الطب او الصيدلة او الهندسة، حسب توجيه الاهل او مهنة الوالدين ورغبتهما، والتبرير لذلك انها (التخصصات البتجيب القروش)، وهو مفهوم خاطئ، يشارك فيه الكل ابتداء من الدولة ومروراً بمؤسسات التعليم العالي ( الباحثة عن المال) ، وانتهاء بالطلاب وأسرهم!
لربط الموضوع بالعنوان .. تخصصا الكيمياء الحيوية والاحياء الجزيئية، موجودان في السودان، الأول هو علم دراسة المواد الكيميائية والعمليات الحيوية داخل جسم الكائن الحي، والثاني يختص بدراسة العلاقات التبادلية بين أنظمة الخلايا ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة، ولا تخلُ كلية للطب او البيطرة او الزراعة ..إلخ، من هذين التخصصين، بل ان الدول المتقدمة تركز عليهما وتصرف الملايين على الأبحاث فيهما، باعتبارهما علم المستقبل للتعرف على الحياة التي نعيشها واستنباط وسائل متقدمة لتطويرها وتحسينها والتخلص من المشاكل والامراض التي تعيق ذلك، فلماذا لا تنشط الجامعات في عمل برامج للطلاب الجدد وأهليهم، للتعريف بمثل هذا العلم، لاستقطابهم لدراسته والبحث فيه؟!
بل إن من واجب أجهزة الاعلام والصحف والقنوات الفضائية، التي تستهلك ساعات طويلة في الرغي الفارغ والغناء والطرب والمسلسلات، أن تعمل على استضافة الخبراء ومسؤولي القبول بالجامعات للتعريف بهذه البرامج وفائدتها المستقبلية للطلاب والبلاد بأسرها، فليس من الاخلاق في شيء ، ترك هؤلاء الطلاب وأسرهم يتسابقون في التقديم لتخصصات بعينها، وترك مثل هذه العلوم المهمة مهملة، والتي بدونها سنغرق أكثر وأكثر في لجة التخلف بينما العالم يسبقنا بملايين السنوات الضوئية. (انتهى)!!
نسأل وزيرة التعليم العالي .. ما هي علاقة اللغة العربية والتربية الاسلامية بدراسة الطب او الزراعة، ولماذا لا تلجأ الوزارة الى نظام حديث في القبول، أو العودة لمواد التخصص كما كان سابقاً إذا لم يكن هنالك وقت أو قدرات لابتداع نظام جديد ؟!