صحيفة الديموقراطي
الإثنين ٨ مارس ٢٠٢١
رغم أن الكثيرين ما زالت تتناوشهم (ضبابية) الشكل والمضمون في خصوماتهم السياسية عبر إتكائهم على مفاهيم مغلوطة عن أوجه الصراع بين الديموقراطية والشمولية ، حيثُ يحصرونها (حشراً) في المصطلح الشبابي الثوري (عسكرية ضد مدنية) ، ومازالوا يلهثون وراء (مثول) ساعة النصر لأحد الطرفين ، إلا أنني ورغم ذلك أرى في الأُفق الكثير من الإشراقات التي تتبَّدى في هذا الصراع الإفتراضي ، وهي كثيرة لكن أبسطها ما يمكن أن نُطلق عليه (بداية) صحوة العسكر الذين إنغمسوا في الثقافة الإستعلائية لنظام الإنقاذ البائد من (غفوة) المُطمئنين الذين أسهبوا في (إستسهال) هبة الشعب السوداني وغضبته ، وأهمها هو ما يترى يوماً بعد يوم من إشارات أعلنت عن (تنامي) دولة المؤسسات والقانون والعدالة ، عبر دلائل كثيرة أبرزها (تساوي) النافذين والبُسطاء أمام القانون والقضاء ، فضلاً عن إنغلاق كل أبواب أخذ الحق (المزعوم) خارج دهاليز المنظومة العدلية.
جلس السيادة الإنتقالي مُمَّثلاً في رأس الدولة حينما يطلُب من القضاء القصاص ممن يعتقد أنهم خصوم ، هو من وجهة نظري حدثٌ يُمكن إعتبارهُ علامة بارزة من علامات بروز المؤسسية والعدالة والمساواة كمبدأ أخلاقي وإنساني لا يقبل الخضوع للتصنيف من حيث المقام أو المنصب أو العرق أو اللون أو الدين في سودان ما بعد الثورة ، وبالرغم من أن أصحاب (الضبابية) في تفسيرهم لموقفهم من الصراع بين الديموقراطية والشمولية ، يختصرون السجال العدلي بين رئاسة مجلس السيادة وخصومة في مجرَد ذلك الهُتاف الجزافي في شكله والنفيس في مضمونة (عسكرية ومدنية) ، قد أبرزوا هذا الإتجاه المعيب في النقد السياسي إبان توالي أخبار مُقاضاة الرأس السيادي لصلاح مناع في قضية تصريحه بخصوص تدخُل رئيس مجلس السيادة في إطلاق سراح نافذين مُنتمين للنظام البائد ، ثم مؤخراً قيامه أيضاً بمُقاضاة الشاعر الشاب يوسف الدوش ، تحت طائلة التشهير والإتهام غير المؤسَّس الذي عبَّرعنهُ في قصيدةٍ ألقاها الشاعر في إحدى الفضائيات السودانية ، إلا أن ذلك ومن منظورٍ آخر يُعتبر وبلا شك أسمى تعبيرعن عودة سيادة حكم القانون ، ومعاودة إزدهار فعالية المؤسسات خصماً على فعالية الشخوص والمناصب ، فكل دولة (لا يستطيع) رؤوس قيادتها وحُكامها ونافذيها ، القصاص ممن يعتقدون أنهم خصوم إلا عبر بوابة المؤسسات العدلية ، هي بلا شك دولة على أعتاب التحوُّل الديموقراطي ، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى وجود (القابلية النفسية) والأرضية الثقافية التي تسمح بحدوث ذلك دون قيد أو شرط وبلا إستنكارٍ ولا إستغراب.
كثيرٌ من الدول التي ترفع شعارات المسار الديموقراطي ، من أمثال سيادة حكم القانون وعُلو مبدأ العدالة والمساواة ، لم تسمح لها ثقافاتها السائدة التي إفتقرت إلى أخلاقيات التسامُح والتواضع أن (تُطبِّق) فعلياً وواقعياً الكثير من المباديء التي ينادي بها المسار الديموقراطي وفي مقدمتها المساواة أمام القانون والقضاء ، فكثير من تلك الدول التي يُتداول فيها الحكم عبر الإنتخابات وتُدار توجُّهاتها عبر الأنظمة البرلمانية ، لم يزل فيها دورٌ للثقافة الشعبية العامة يعمل على عرقلة الكثير من المباديء الديموقراطية وفي مقدمتها تساوي النافذين والطبقات الحاكمة والموثرين مع عامة البُسطاء أمام القضاء ، علينا أن نُركِّز دائماً في الجزء المملوء من الكوب.