زارنا وزير الصحة اليوم الدكتور عمر النجيب في مستشفى الخرطوم للمشاركة في تدشين مناظير جراحة الكلي والمسالك… وما اكثر الوزراء الذين زاروا مستشفي الخرطوم و ما اقل من وضعوا بصماتهم علي جدرانه العتيق العنيد….
قسم المسالك البولية الان مكتمل تماما و من ناحية المناظير و الكادر البشري و الخبرات وكذلك قسم جراحة الاطفال و من المتوقع أن يكتمل العمل بقسم الاشعة قريبا و قسم الناسور …..وما زال المستشفي ينقصه الكثير لكي يستعيد هيبته..
— شكرا للسودانيين بامريكا الذين تبرعوا بدعم مليون دولار لمستشفي الخرطوم وفي طريقها للوصول….وشكرا لوزارة الصحة الاتحادية والولائية علي الدور الذي يقوما به لتحقيق الهدف المرجو و الافتتاح…
فمن هو ((محمد عديل ))….
— انه طفل عمره عشرة سنوات لا غير يتلاعب اترابه في حدائق الرياض و مدينة الطفل أو يلعبون سك سك في زقاقات ود مقبول أو الرمة و حباسها في دارفور….
محمد عديل صادف لحظة تخديره لإجراء عملية بالمعدة مرور وزير الصحة علي مجمع عمليات مستشفي الخرطوم…
طلب من اختصاصية التخدير ان تمهله خمسة دقائق لكي يبلغ رسالته لي وزير الصحة قبل التبنيج….
— ممكن تتخيل طفل بطعنوا في وريده عشان يركبوا كانيولا و ح يدخل تخدير و يتم فتح بطنه من اعلي الصدر لحدي الحوض ح يقول شنو….
انا شخصيا كنت متخيله يبكي ويقول ليهو ما داير عملية عشان انا خايف و الوزير يقعد يحنس فيهو و يقول ليه عشان مصلحتك يا شااااااطر و العملية بسيطة و بعدها ح نديك حلاوة و ح نشتري ليك هدية…
__ كنت متخيل الشافع ده يقوم يبكي ويقول ليهم داير ماما وبابا و خالتو درية و ابله صفاء تدخل معاي العملية…
— بكل تواضع حضر وزير الصحة و مسك محمد عديل من يده وقال ليه ((داير تقول شنو يا ولدي ))…
— محمد عديل قال للوزير انا من دار فور من نيالا و هناك في بلدنا الخدمات الصحية كعبة انا دايرك تمشي تزورهم وتتفقدهم و تساعدهم عشان تعالجوا مرضانا وانا لو بقيت كويس بعد العملية ارجع القاهم كويسين و كان مت هم يكونوا طيبين…
و ساد الصمت و تقاطرت الدموع من اعين معظم الحاضرين و إغرورقت عيون وزير الصحة بالدموع …
يا ااااااالله طفل علي حافة الهاوية لم يفكر في نفسه وتذكر اهله في نيالا وربما لم يتذكره أحد غير امه وابوه وإخوانه الصغار حتي لو توفاه الله في العملية .. ربما لا يذكره احد في الدنيا خالص لو لم يصحي من التخدير …. طفل يعاني الألم و يقابل مصيره المجهول في رحلة جراحية تخديرية الجميع لا يعلم ما سوف تؤل اليه يتمني ان ينعم اهله بالصحة وهو اقرب ما يكون إلي الموت….
لو ما جيتا كن ناس ديل
وااااا اسفااااي
وااأااا مأسااااااتي وا ذلي
— هذا الطفل تم تأجيل عمليته خمسة مرات خلال عام مع جائحة كرونا و لا يملك اهله المال لكي يجريها في احدي المستوصفات وكل مرة يرجع بالبص من الخرطوم إلي نيالا و يعود حتي وفق اليوم في دخول العملية مع أصدق تمنياتي له بالشفاء العاجل …..
— وعده وزير الصحة أن تكون اول زيارته خارج الخرطوم إلي نيالا و أصدر تعليماته لي بمرافقته و اتمني ان يكون معنا في نفس الطائرة ابننا محمد عديل….وما أجمل الوزير عندما يوعد طفل …
وما اعظمه من طفل وما ارجح عقله … هذا الطفل عندي لو وضعوا كل عمد و شراتي قيادات دارفور في كفه ووضع هو في الكفة الاخري لفاقهم وزناً و حبا و شجاعة وطيبة قلب وتمسكا باهله..
— قبل ان يصل محمد عديل و وزير الصحة إلي نيالا اتمني ان تنطلق مبادرة من ابناء دارفور لتأهيل مستشفي نيالا و اتمني ان يشارك فيها الجميع من كل السودان…. لقد وجه محمد عديل رسالته للوزير وبينه وبين التخدير ثواني فما اعظمه من طفل وما اشجعة من صبي….وانا اوجه رسالة محمد إلي أبناء دارفور وبقول ليهم ( البكاء بحرروه اهله )…
فتجار سوق ليبيا معظمهم من دارفور و تجار الدهب معظمهم من دارفور و تجار البوكو حلال و البوكو حرام معظمهم من دار فور … فما قيمة المال والناس بتموت و ما قيمة المال والناس بتتألم وما قيمة الحياة اذا كانت الطائرات الخاصة تعبر المحيطات بمرضي اعمارهم جاوزت التمانين ويموت من ابسط العمليات اطفال قصٌر …
فلو كانت هناك محمدة واحدة لفيروس كرونا فهي رفقه بالأطفال و اليافعين…فحتي الان لم تسجل حالة اعتداء قاتل للكوفيد ضد شريحة الاطفال…
— ما طالب به محمد عديل هو ما يحتاجه مواطن دارفور…..
وفي الاسبوع القادم سوف تنطلق مبادرة تأهيل مستشفي نيالا تحت شعار مبادرة الطفل (( محمد عديل ))…ربنا يعيده إلي اهله سالما غانما محبا لأهله الذين لا يعلمون قيمته فكم من زهرة ذبلت قبل أن تتفتح لانها نمت في رمال الصحراء ..