كلما كانت الدولة كثيرة الصلاحيات والمسؤوليات كلما تخبطت وتحولت إلى مشروع فاشل، كلما كانت الدولة قليلة الصلاحيات والمسؤوليات كلما نجحت، تخفيف عبء المسؤلية على الدولة هو الطريق الذي سلكته الرأسمالية حينما حررت الدولة من عبء إدارة السوق والخدمات وتركت لها صلاحيات الأمن والدفاع وتنظيم الحياة عبر القوانين، لهذا نجحت الدول الغربية في بناء دول ناجحة بعد ان تنازلت عن عدد ضخم من مسؤلياتها للمواطنين أصحاب الأعمال والأفكار.
الحكومة الانتقالية تنوء الآن بمسؤليات ضخمة، أعيتها ومنعتها من الحركة وستقودها حتما للفشل كما قادت جميع الحكومات السودانية على مر التاريخ السياسي السوداني منذ الاستقلال، والسبيل الوحيد لتتفادى الحكومة الانتقالية هذا الفشل هو ان تتخفف من مسؤلياتها وان توكل مزيدا من المهام للمواطنين أفرادا وجماعات، وان تفرد المساحات لاصحاب المواهب والقدرات للإشتراك في عملية بناء الوطن ونهضته. أصحاب القدرات سيطورون الاعمال ويفتحون الفرص للتوظيف ويضيفون بعدا تنمويا حيثما نهضت مشاريعهم ويرفدون خزينة الدولة بعوائد الضرائب والتصدير، هذه هي فلسفة بناء الدولة في الوقت الراهن، الدولة التي تعتمد على المواطن لا الحكومة، الدولة التي يمثل النشاط الرابح فيها محور النهضة وينهض بمن حوله من مجتمع وخدمات.
لابد أن نفكر خارج الصندوق من أجل المحافظة على استمرار نشاط ونجاح الحكومة الانتقالية، ومن أجل بناء مسار استراتيجي ينهض بالوطن في المستقبل، وفي ذلك مهم ان نفكر بجدية في فلسفة حكومة اقتصاد السوق الحر، لا يحتاج السودانيون لمن يذكرهم بالرعاية الاجتماعية، فالمجتمع السوداني متكافل ومتعاون وقل ان يشذ أعضاءه عن دفع ضريبة الانتماء للاسرة والاهل، هذه الثقافة ستمثل مصدا يحمي فكرة السوق الحر من تحطيم الضعفاء ويخفف من اثارها، فالراسمالية الوطنية التي ستبتكر وتنجح ستكون عونا للمجتمع لا خصما عليه.
كامثلة يمكن ان تتخفف الدولة من عبء مسؤلية ادارة الثقافة والاعلام والرياضة، لا تملك الدولة الصحف ولا الأندية الرياضية ولا الفنانين ولا المسرحيين ولا الكتاب ولا الشعراء، فلماذا تتحمل الدولة مسؤوليتهم! الإنتاج الإعلامي والثقافي والطفرة الكروية ليست مسؤلية الدولة بل هي مسؤلية المهتمين والموهوبين وأصحاب الأفكار، صناعة شراكات ناجحة بين أصحاب الأفكار والأموال بعيدا عن تدخل الدولة سينهض بهذه القطاعات ويخفف عن الدولة مسؤلياتها في هذا المضمار وتصبح ليست هناك حاجة لجيوش جرارة من المسؤلين في وزارات للاعلام والرياضة والثقافة في العاصمة وفي الولايات ومعها مجالس متخصصة ونثريات وسفريات (وقومة وقعدة) وكلها ليست من وظائف الدولة الملحة بل من الوظائف التي يمكن التنازل عنها للمواطنين وحتى للمستثمرين الأجانب.
ينطبق الحال على كثير من مسؤليات الدولة الاخرى كدعم الخدمات كالوقود والخبز والتعليم والصحة والزراعة والصناعات والأدوية والخ، مع بعض الفارق في الحوجة للتدريج في هذا التخفف الحكومي من المسؤليات الخدمية بما يتيح للدولة ان تعالج الآثار السالبة المتوقعة وتحمي بعض الذين من غير الممكن أن يتفادوا الآثار الجانبية.
sondy25@gmail.com