أفادنا قاضٍ عادل من مراجع المعرفة القضائية الواسعة والعميقة ومن الذين دافعوا عن مهنتهم ودفعوا الثمن بسخاء.. ومعه رجل حقوقي.. وكلاهما من الذين رأت الإنقاذ منذ إطلالتها المشؤومة أنهم لا يصلحون لها..(وهي لا تصلح لهم) لأنهما من الذين يحترمون أنفسهم ويعرفون معنى العدالة وقسطاسها المستقيم الذي لا يعرف الحيف والميل.. فكانا مع ثلة كريمة على رأس المُستهدفين باسم (الصالح العام) الذي يعني عند الإنقاذ تمهيد الطريق نحو (اللغف العام) والفساد الأشمل والنهب الأعظم.. فخرجوا من وظائفهم وعليهم جلال السيرة ونقاء السريرة وراحة الضمير وتلوث آخرون كانوا في حكم الأذليَن (عير الحي والوتد)..! المهم في الأمر أن هذين الرجلين تحدثا عن قضية عالية الأهمية غفلنا عنها وغفل عنها كثيرون بل حتى أصحاب الحق من ضحايا الإنقاذ.. وهي ضرورة رد الاعتبار للمواطنين الذين حاكمتهم الإنقاذ بأحكام مسيّسة ظالمة وبعناوين كاذبة مثل معارضة الإنقاذ وأصدرت بحقهم أحكاماً مزوّرة بأدلة وبيّنات مزيّفة من جهاز أمنها المسيّس وبواسطة (قضاة الذل والخيبة) ونيابات الهوان التي تسمي نفسها تمويهاً نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة.. وبعضهم تمت محاكمتهم باعترافات انتُزعت تحت التعذيب الجهنمي.. ولا زالت صحائف هؤلاء الضحايا تدمغهم بالإدانة وبوصمة (السجين السابق).. وحاق بهم الظلم أكثر من مرة.. مرة بحكم جائر واتهامات مختلقة وإدانة ظالمة؛ ومرة بسجنهم وقطع مسيرة حياتهم وكسب عيشهم؛ ومرة بتعريض أسرهم للفاقة وغياب الرعاية؛ ومرة رابعة بأنهم سجناء سابقون ومدانون حسب صحيفتهم الجنائية في ملفات القضاء..!
يدعو من تحدثوا إلينا ومنهم قضاة وحقوقيون بأن على الدولة ممثلة في رئاسة القضاء إنشاء (دائرة خاصة) لإعادة فحص جميع القضايا السياسية في عهد الإنقاذ لإنصاف المحكومين الضحايا.. فإبداء الرأي والعمل المدني السلمي ليست من الجرائم إلا في مظنة الأنظمة الشمولية الديكتاتورية.. فما بالك بنظام مثل الإنقاذ صاحب السجل الإجرامي الأكبر الذي بدأ منذ يومه الأول بملاحقة كل صحاب حق أو رأي أو عمل شريف وتحت نظام قضاء يشرف عليه حزب سياسي ورئيس فاقد الشرعية جعل من رئاسة القضاء في عهده ساحة للتابعين من خدّام السلطان فحاكموا الأبرياء وألقوا بهم في السجون وأجسادهم مثخنة بجراح التعذيب..!
القضية أعمق من ذلك لأنها تتعلق بإنصاف مظلومين وضرورة إزالة هذه الإدانات الوهمية من سجلات الذين حوكموا ظلماً..وحتى من توفي منهم فإن ورثتهم وعائلاتهم يتأذون من وجود أحكام عقابية وأحكام بالسجن على ذويهم ..وفي إلغاء هذه الأحكام استعادة معنوية لحقوقهم ورد لاعتبارهم.. وهذا أهم لدى العائلات وكذلك للأحياء من المحكومين من أي تعويض مادي مقابل اعتقالهم وسجنهم لسنوات طالت أم قصرت..!
هذا نداء لرئيسة القضاء ودعوة بالإسراع في إنشاء دائرة خاصة تتولى هذا الأمر وهي دعوة نرى أنها (مُحقة ومطلوبة ووجيهة).. بل هي من أوجب واجبات حقوق المواطنين من قضاء دولتهم أن يعيد لهم الاعتبار ويقوم بفحص ملف قضاياهم ليتحقق من أنها أحكام جائرة من نظام استهان بالعدالة وكان يلفق الاتهامات وينقب الضمائر ويرى في حقوق الإنسان الأساسية عملاً ضد الدولة بعد أن اختصر الدولة في نطاق حزب سياسي يعتبر كل من يعارضه خارجاً على القانون…لا بد من الإسراع بإنشاء دائرة خاصة لفحص جميع القضايا السياسية طوال فترة حكم الإنقاذ..ولا نظن أن جهاز القضاء يرضى بأن تستمر إدانة الأبرياء في سجلاته فيجعل من الظلم ظلمين.. فبعد أن زالت دولة الظلم لا ينبغي أن تظل أحكامها الجائرة سوابق في صحائف الأبرياء وأرشيف الدولة..!!