الرحيل المفاجيء لزعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي أربك المشهد القيادي داخل الحزب العريق وفتح الباب لاحتمالات عديدة لكيفية اختيار زعيم جديد للحزب في ظل هذا الموقف التاريخي الحرج الذي تواجه فيه الحزب مسؤلية جسيمة هي مسؤلية قيادة تيار الحكم الانتقالي التوافقي، بجانب مهام بناء الديمقراطية والسلام والحريات، ومهمة الفوز في الانتخابات العامة المقبلة كما فعل في المرات الديمقراطية الثلاث الماضية، رحيل الإمام الصادق المهدي جاء صعبا وقاسيا وغير متوقعا في وقت حرج يحتاجه فيه الحزب والكيان والسودان، ولكنها إرادة الرحمن ولا اعتراض على ذلك.
تقلد السيد الصادق مواقع القيادة في حزب الامة منذ بواكير شبابه في الستينيات من القرن الماضي، وبعد مقتل الإمام الشهيد الهادي المهدي على يد عصابة السفاح نميري في عام ١٩٧٠ صار السيد الصادق هو الرجل الأول في الحزب والكيان، ولم يعد أمامه منافس مباشر في الزعامة، فتقلدها منذ ذلك الوقت حتى رحيله المفاجئ في نوفمبر من العام الماضي.
الفترة الطويلة التي ظل فيها السيد الصادق المهدي رئيسا لحزب الأمة القومي أنست الجميع احتمالية فراغ منصب القيادة بصورة فجائية، لذلك لم يتحسب لهذا اليوم الكثيرون، ورغم أن الحزب يمتلك قيادات من العيار الثقيل، الا ان تجاذبات الزمان وطبيعة التمازج بين الحزب والكيان وتقلبات السياسة في البلد بين الشموليات والديمقراطيات جعلت الحزب ساحة للصراع الداخلي بين تيارات متعددة، منها من إنشق إلى خارج الحزب ومنها من ظل موجودا داخله ومنعزلا او مجمدا او غير نشط. وهي عوامل ساهمت في إضعاف مركز القيادة في الحزب.
انشقاق تيار الإصلاح والتجديد الذي حدث في عام ٢٠٠٢ كان أكبر تحدي واجه حزب الأمة القومي وكان ضربة قوية للوحدة، بيد ان فشل تجربة الإصلاح والتجديد كان سببا أساسيا لعودة مجموعات مقدرة منه لحزب الأمة القومي منها مجموعة بقيادة عبدالجليل الباشا ومجموعة بقيادة عبدالله بركات ومجموعة بقيادة بابكر دقنة، بيننا ظلت مجموعات الإصلاح الأخرى مجموعة السيد مبارك الفاضل ومجموعات مسار ونهار والصادق الهادي والزهاوي وغيرها خارج إطار حزب الأمة القومي حتى الآن، مع أن عودتها واكمال الوحدة هو الخيار اللازم والموضوعي في ظل حوجة السودان إلى أحزاب موحدة وقوية وليست أحزاب موزعة وضعيفة.
تاريخيا ظلت القيادة في حزب الأمة القومي دوما محل محبة وإجماع واحترام، ولم تكن محل نزاع، ولأن قاعدة الحزب معظمها من الارياف فإن كاريزما القيادة مثلت عندهم الحبل المتين الذي يصلهم بالحزب والكيان، وهذا يثبت أن الانتماء الحزبي التقليدي لحزب الأمة ظل متينا حتى بعد انتشار التعليم بين قواعده، إذ ظلت المحبة للامام ولاسرة الامام المهدي عامل جمع وتوحيد، وهو ما يثبت أن الوقت مازال مبكرا على تسنم قيادة من خارج بيت الإمام المهدي لحزب الأمة في الوقت الراهن، وهو التحدي الذي يواجهه الحزب في ظل محاولة المثقفين والنخب تجاوز هذه الحقيقة والعمل على تنصيب قيادة جديدة من خارج أسرة المهدي، وهو الخيار الذي اذا حدث ربما يعصف بقاعدة الحزب ويمزقها في ظل صعود أحزاب وحركات اثنية وجهوية في مناطق ثقل الحزب في دارفور وكردفان والشرق والوسط.
لولا انشقاقه في عام ٢٠٠٢ كان يمكن أن يكون مبارك المهدي هو المرشح الأول بلا منافس لقيادة الحزب، من واقع تجربته وقدراته وديناميكيته، وهي قدرات لا تتوفر في اي قيادي في حزب الأمة القومي بعد رحيل الامام، كذلك لولا اشتراكه مساعدا للمخلوع لكان عبدالرحمن الصادق المهدي المرشح الاوفر حظا لقيادة الحزب لما يتمتع به من كاريزما وقبول، وهي حقائق تثبت أن الأمة القومي اذا اختار قيادة جديدة متخطيا هذا الثنائي فقد يواجه الكثير من العنت والمشقة في لم شمل الأنصار وتوحيد القيادة تحت كاريزما قيادية قادرة على جمع المحبين وتوحيد الحزب وقيادته بقوة في مواجهة تحديات المرحلة الوطنية الراهنة.
مستقبلا وفي حالة استدامة النظام الديمقراطي يحتاج الحزب بصورة حتمية للانتقال الديمقراطي الداخلي لتتحول القيادة من أسرة الإمام إلى قيادة من خارج الأسرة برعاية من الاسرة، على نسق انتقال الملكية في بريطانيا، مع الاحتفاظ لأسرة الإمام بمنصب الراعي للحزب على نسق ما حدث في فترة رعاية الإمام عبدالرحمن المهدي للحزب، إيمانا بدور الاسرة الوطني والتاريخي والرائد في قيادة الحزب والكيان والسودان، متى يحدث هذا التحول؟ هذا سؤال ستجيب عنه الأيام.
sondy25@gmail.com