تشكل قضية عدم الوفاء بمشاركة المرأة السودانية في مفاصل السلطة الانتقالية في السودان بنسبة ٤٠ في المئة في مجلس الوزراء مثلا، وأيضا في المجلس التشريعي (المرتقب الذي طال انتظاره ) احدى القضايا الساخنة، التي تختبر صدقية القوى السياسية وقوى الكفاح المسلح المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية(الثانية).
هذه المسألة تضع أيضا رئيس الحكومة الانتقالية (الثانية) دكتور عبد الله حمدوك أمام أختبار الصدقية نفسه، وهي ليست قضية سياسية فقط بل قضية (حقوق انسان).
حواء السودانية على مدى ثلاثين عاما وهي عمر النظام الديكتاتوري الظالم والفاسد، الذي أسقطه شعب السودان بثورة سلمية كانت في صدارة الصفوف التي اكتوت بنيران القمع، وفي أزمنة الحراك الثوري كانت في صدارة الصفوف .
أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا أذهلن العالم بجسارتهن، وقيادتهن للتظاهرات السلمية، وقدمن تضحيات ملموسة وليست كلامية، و بدماء ودموع.
الشباب (من الجنسين) تجاوزوا بمبادرة الخروج التلقائي الشجاع الى الشارع في ديسمبر ٢٠١٨ وفي سنوات زمن البطش وكتم الأنفاس، تكتيكات عدد من الأحزاب، وساهموا مساهمة كبرى في صناعة مناخ الحرية الحالي ،وجو التنفس الطبيعي.
الآن في أجواء احتفال حواء السودانية، ومن يدعمون حقوقها المشروعة، بتفاعلات اليوم العالمي للمرأة، الذي صادف أمس الأول ، هاهن نساء وشابات مبادرة الحارسات ) يقدمن رسالة الى رئيس الوزراء تضمنت طعنا بشأن تشكيل حكومته (الثانية) وهضم حقوق المرأة.
أحيي انخراط (الحارسات) في عمل مدني سلمي واع يهدف الى انتزاع حقوق المرأة الدستورية ،وأعتقد في هذا الشأن أن على (نساء الأحزاب كافة) أن يدعمن هذا الحراك الحيوي.
قناعتي أن حقوقهن وحقوق كل الشباب والشعب يمكن انتزاعها بالضغط عبر الحراك السلمي ،سواء كأن ذلك عبر الرسائل أو الوقفات الاحتجاجية أو التظاهرات السلمية التي تدعو لاحقاق الحق وتحقيق العدالة للجميع .
أرى أيضا أن على (الوزيرات) في حكومة الفترة الانتقالية( الثانية) أن يدعمن حقوق المرأة دعما عمليا وليس كلاميا،بالسعي الى تعيين وزيرات دولة في الحكومة(كما جاء في اقتراح عملي قدمته الحارسات) ممن يتمتعن بالكفاءة، وشاركن في مسيرة القبض على الجمر ، لمعالجة قصور تمثيل النساء ،وكذلك الحال فيما يتعلق بجيل الشباب .
حراك (الحارسات) يتسم بأهمية اضافية ، اذ تزامن مع تأكيدات ايجابية أطلقها اليوم في الخرطوم فولكر بيرتيس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، (يونيتامس ) بشأن دعم المنظمة الدولية للسودان و للمرأة والشباب ويشمل ذلك التدريب.
المأمول والمتوقع أن تلعب البعثة الأممية دورا استشاريا مهما، لدعم الانتقال الى نظام ديمقراطي منتخب من دون تدخل في سيادة السودان كما شدد رئيس البعثة في مؤتمره الصحافي اليوم في الخرطوم .
أرى أن الأمم المتحدة في مقدورها تقديم مساعدات كبيرة في مجالات استشارية وتدريبية، ويشمل هذا دور المرأة والشباب وكيفيات تفعيل أدوارهن وأدوارهم.
هذا يعني أن احترام حق المرأة في المشاركة الفاعلة في صنع مستقبل الوطن تعتبر مسألة غير قابلة للمساومات والخطب والبيانات التي تطلقها أحزاب أو (شركاء السلام) أو الحكومة في مؤتمرات صحافية، فالمحك يكمن في اقتران الأقوال بالأفعال.
في هذا السياق أدعو الناشطين والناشطات الى الانخراط في كيانات مدنية ذات أهداف وطنية محددة، وقناعتي أن منظمات المجتمع المدني القوية والفاعلة في مقدورها تصويب خطى الحكومة واصلاح حال كل الأحزاب التي تحتاج (كما قلت في مقالات وفضائيات) الى إصلاح شامل.
الإصلاح كي يكون شاملا لابد ان يشمل كل الأحزاب و( قوى السلام) التي يقف أمامها التحدي الأكبر بتحويل (حركات مسلحة) الى (أحزاب) تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وتعترف( عمليا لا كلاميا) بحقوق المرأة -التي ضحت وتعرضت لصنوف القمع والاضطهاد- في المشاركة الفاعلة في كل المواقع .
الإصلاح مطلوب لبناء مؤسسات حزبية و(أمنية وعسكرية) عصرية تواكب روح العصر وتلعب أدوارها الحيوية الكبرى في حماية الوطن والمواطن لا قمعه ، وتستجيب لتطلعات جيل اليوم والمستقبل،و هناك أيضا ضرورات لتفعيل أدوار منظمات المجتمع المدني.
أرى أيضا أن تفعيل الشباب لأدوارهم داخل أحزابهم سيساهم في اعادة بناء الأحزاب ، وأرى أيضا أن هناك ثلاثة خيارات أمام الرافضين للأحزاب (ولا ديمقراطية بدون أحزاب) ، إما أن ينخرطوا في عضوية هذا الحزب أو ذاك ليتم الاصلاح من الداخل،أو يسعوا الى تكوين أحزاب جديدة تلبي تطلعاتهم ،أو الانخراط في منظمات المجتمع المدني الحالية أو تشكيل منظمات جديدة لتعكس رؤاهم، ولتشكل مصادر ضغط فاعل على هذه الحكومة أو تلك، في سبيل الانتصار للحقوق وليس من أجل إثارة الغبار والمناكفة.
أخلص الى دعوة كل القوى الفاعلة الى مناصرة ودعم مشاركة حواء السودانية الفاعلة في كل مواقع صنع القرار .
التحية لمن قبضن على الجمر ، وصنعن مع قوى الثورة فجر السودان الجديد، الذي لن يبنى الا بتضافر جهود المرأة والرجل معا ، من دون ظلم أو اجحاف أو انتقاص لدور أي طرف .
السودان الديمقراطي الذي يسعى الى بنائه من قدموا الدماء والدموع داخل الوطن وخارجه وتشردوا في الخارج لن يبنى الا في مناخ يتيح تمتع كل المواطنين بحقوقهم ،أي في دولة (المواطنة).
السودان الجديد لن يحلق في فضاءات الحرية والعدالة الا بجناحي المرأة والرجل ..
– لندن-١٠- ٣–٢٠٢١