أجد نفسي بين من يطالبون بتمديد الفترة الانتقالية الحالية (وأجري على الله)..! هذا مع العلم بأنه سيتصدى ضد تمديدها أشخاص محترمون بمنطق وأسانيد .. لكن أيضاً ستقفز علينا بعض ضفادع الأمازون مبتورة الذنب المفقود في طور اليرقة أو (الشرغوف أبو ذنيبة) خلال رحلة انتقالها بين الطحالب بذريعة التباكي على تأخير فجر الديمقراطية وتأجيل التفويض الشعبي وكأنها الأحرص على الانتقال الديمقراطي .. متجاهلة أن الثورة التي جرت في السودان طالبت بتفكيك الإنقاذ أولاً ..ومنحت الحكومة المدنية أكبر تفويض جماهيري يمكن أن يحظى به حزب في العالم من أجل تحقيق الحرية والسلام والعدالة…!
نحن لا نريد الوصول (الآن) إلى قرار بشأن هذه القضية وإثارة الجدل حولها.. بل ندعو عندما يحين أوان مناقشتها أن يلتزم الجميع بالموضوعية والحوار الهادئ وتقديم مصالح الوطن العليا على أي مكاسب لحزب أو جماعة أو فئة (أو حركة).. فقد نشأت عن ثورة ديسمبر مفاهيم ومعالم وقيم جديدة حول ضرورة (تغيير ما بنا) والانتقال إلى فهم جديد وسلوك ورؤى وابتداعات جديدة ونوع جديد من الوطنية المُبصرة.. كما أن الثورة وضعت ثلاث ركائز (حرية سلام عدالة) علينا جميعاً أن نجعلها معيار الرفض والقبول لكل قضية ومسألة..وألا نتوقف عند عبادة النصوص واعتبار كل قضية أو مواقيت أبقاراً مقدّسة و(أصناماً في محاريب) بغير النظر إلى الوقائع على الأرض والمتغيرات والمستجدات الطارئة في البيئة الأمنية والسياسية والاقتصادية.. وإرادة الشعب هي التي ترسم الطريق وهي أكبر من كل وثيقة وبنود ومقررات ومواقيت..!
سبق أن تمت تجاوزات كبيرة و(وااااااضحة) في الوثيقة الدستورية حتى لا يكابر علينا مكابرون .. وينبغي ألا نصرخ فقط ضد أي تعديلات في المواقيت والإجراءات إذا حتمها الواقع والتطوّرات.. فنرضى على التعديلات التي (توافق هوانا) ونرفضها إذا خرجت عن دائرة المصلحة الذاتية أو الحزبية أو (الحركية)..! فقد تمت مخالفة الوثيقة الدستورية (عياناً بياناً) في حالات عديدة وثوابت رئيسية.. فماذا يمنع أن تتم تقديرات جديدة للمدى الزمني الخاص بعمر الفترة الانتقالية..؟ خاصة أن مواقيت عديدة تم الإخلال بها لظروف موضوعية وغير موضوعية منها على سبيل المثال المدى الذي استنزفه الحوار مع الحركات وتوقيع اتفاقيات السلام (وعلى ذلك قِس)..!
ربما تقول لك بعض الأحزاب (والله أعلم) إنها لا تقبل تأجيل الانتخابات ليوم واحد.. وسيتجاهل بعضها ما جرى علينا من مصائب بل كوارث من هذه (اللهفة الانتخابية) في الفترات الانتقالية السابقة.. وإذا بالحصاد بعدها حصرماً وعلقماً لا داعي للتذكير بمراراته و(حناضله)..! وسيغضب كثيرون (بغير حق) إذا قلنا إن معظم الأحزاب (إن لم يكن جميعها) أبعد ما تكون الآن عن الاستعداد للانتخابات من حيث إعداد برامجها وإصلاح هياكلها والاتصال بقواعدها وتحديد علاجاتها لقضايا الوطن الشائكة في نظام الحكم والتحديات الاقتصادية والسياسة الخارجية ..الخ سيغضب كثيرون ويزمجرون ولكن لا مناص من العقلانية والتسامي عن المكابرة و(العنجهيات السياسية) ..فهل بلادنا مؤهلة للانتخابات الآن أو في مدى شهور أو عام وعامين..؟! ألا نعيش حتى الآن وفي الغد المنظور في (عالم من المليشيات) والتقتيل والأمن المفقود في كثير من الأقاليم.. والملايين التي تعيش في النزوح واللجوء والمعسكرات..فهل يمكن إجراء انتخابات عادلة ونزيهة وشاملة وجامعة مع بقاء هذه الحال..؟!
كم يتمنى كل سوداني أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها حتى نمضي إلى الانتخابات مثل كل الدول المُحترمة؛ ولكن لا بد أن تجرى الانتخابات باستحقاقاتها وأولها تأمين وصول كل مواطن إلى صندوق الاقتراع (وهو لا يتلفت وراءه)..!!