شاهدت في قناة فضائية مصرية ختام برنامج عن حلايب وشلاتين، يظهر فيه عدد من أطفال المنطقة يرددون أمام الكاميرا ببراءة شديدة كلمات أمليت عليهم لم يتمكنوا من نطقها كما أراد من قاموا بتلك “الفبركة”. كان الأطفال يرددون كلمتي “تهيا مسر”، والمقصود طبعا “تحيا مصر”. كانت “تهيا مسر” على لسان أطفال حلايب طبيعية؛ لأن اللغة العربية ليست لغتهم الأم شأنهم في ذلك شأن نسبة كبيرة من سكان السودان، حتى بعد ذهاب دولة الجنوب.
تعثرهم في نطق العربية لا ينتقص منهم كثيراً أو قليلاً، فالعربية ليست لغتهم، ولهم لغتهم الجديرة بالاحترام، و”مسر” ليست بلدهم، فهم نتاج التنوع الثقافي واللغوي والعرقي مصدر قوة وإثراء للمجتمع السوداني أو هكذا يجب. كان منظر الأطفال وهم يرددون بلا وعي “تهيا مسر.. تهيا مسر” مضحكاً يعكس سذاجة الفكرة، وسخف التنفيذ.
“تهيا مسر” وما شابهه من “فبركات” مظهر من مظاهر كثيرة للسقوط الإعلامي الذي ولغ فيه بعضهم. هؤلاء الأطفال الذي جيء بهم إلى شاشة تلك القناة المصرية لا يشبهون أي طفل في مرسى مطروح أو القاهرة أو سوهاج أو الاسكندرية، ولا يلبسون مثل لبسهم، ولا يتكلمون لغتهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلقهم مختلفين عن كل أعراق “مسر”، وإن ألحقت إدارة أرضهم ب”مسر”. هم مختلفون عرقياً وثقافياً واجتماعياً ولغوياً وتاريخياً. “مسر” ليست وطنهم، مثلما أن حلايب ليست وطن أحد من سكان “مسر”.
تراكمات تاريخية كثيرة وعقود طويلة من العلاقات غير المتوازنة التي تعوزها الندية وحسن النية أفضت إلى هذا الوضع الغريب في مثلث حلايب، في ظل رؤية تراكمت عليها الاخفاقات والخيبات، وجوع إلأى تحقيق أي انتصار حتى لو كان بمثل سهولة الانتصار المجاني الذي تحقق في حلايب.
حلايب شأن وطني يتجاوز الكسب السياسي المرحلي، يجب الاصطفاف حول حلايب أساساً ومنطلقا لموقف شعبي جديد، وتفكير إيجابي واستراتيجي ينتظم فيه الجميع، ولا يستفرد به توجه معين، مثلما كان الحال في تجربة نيفاشا البائسة.
ليتها تكون رؤية موضوعية تتجاوز الشعارات، ومرارات الماضي، وإسقاطات الحاضر؛ لبلوغ آفاق واقعية عريضة تبدأ، ولا تنتهي، بقراءة جديدة للتاريخ، ولو من طرف واحد، وصولاً إلى المصالح المشتركة. كل بلدين جارين في دنيا الله الواسعة لا محالة من أن يجمع بينهما حد أدنى من المصالح المشتركة التي تفرضها حقائق الجغرافيا.
khamma46@yahoo.com