ألمح رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك إلى احتمالية تمديد الفترة الانتقالية في حال توقيع اتفاقيات سلام جديدة مع الحلو وعبدالواحد، وهو قول متوقع فالسيد رئيس الوزراء لا يبدو مستعجلا على مفارقة هذا الكرسي، وهذه هي عقدة كرسي السلطان منذ قديم الزمان حتى قال أحد الامراء الزهاد يوما ( إني أكره الإمارة وأكره ان تنتزع مني)، حب البقاء في السلطة افة عظيمة تقود إلى الفساد والإفساد، لذلك كل تطويل في تقلد أمر الحكم بلا تفويض من الشعب هو أمر مرفوض وذو عاقبة وخيمة.
نعم للسلام، ولكن هل بناء السلام يتم عبر الاتفاقيات مع الحركات التي تحمل السلاح؟ كم اتفاقية تم توقيعها مع الحركات المسلحة عبر التاريخ السياسي السوداني؟ هل قادت احداهم إلى سلام شامل في ظل الوحدة؟ لا لم يحدث. هل متوقع ان يكون توقيع اتفاق سلام جوبا واتفاقيات السلام اللاحقة مع الحلو وعبدالواحد خاتمة المطاف في الحرب؟ لا اعتقد، لأن أسباب الحرب ليست في قادة المليشيات وإنما في البيئة المساعدة على الحرب، في الحاضنة الثقافية والاجتماعية التي لا تتردد في ان تدفع ابناءها وقودا للحروب، هذه الحاضنة تشعر بالتمييز ضدها، وإذا لم تندمج اجتماعيا وثقافيا في بقية ثقافات الوطن ستكون جاهزة باستمرار لتغذية أمراء الحرب الجدد بعد أمراء الحرب الحاليين، فكيف يحدث هذا الاندماج لايقاف هذه التغذية الدموية المستمرة؟.
الحروب كما يلاحظ الجميع انطلقت من الحاضنة الإفريقية في الدولة السودانية في الجنوب والغرب والجنوب الشرقي، بينما ظلت الحاضنة العربية ومن يشاركها الثقافة في الوسط والشرق والشمال بعيدة عن إعلان الحرب على الدولة المركزية، الدين ليس عاملا حاسما في هذه الحروب رغم سعي الكثيرين لاقحامه كسبب للحروب، فدارفور المسلمة مثلا لا يمكن أن تتهم العرب المسلمين بأنهم أرادوا فرض ثقافة الدين الإسلامي عليها، تاريخ دارفور الاسلامي من أعظم السير التاريخية في المنطقة ولا يمكن أن يتجاوز اي قاريء او سارد للتاريخ ملاحم السلاطين المسلمين في دارفور. في حرب الجنوب كان يمكن اقحام الدين كسبب لأن غالبية الجنوبيين مسيحيين.
الأزمة كما يبدو من السرد اعلاه ليست أزمة سياسية ولا أزمة حكم بقدر ماهي أزمة فشل إدارة التنوع في الوطن الواحد، وازمة افتقار للتداخل والاندماج بين الثقافات في البلد الواحد، وهي أزمة علاجها ليس في البروتكولات الأمنية ولا في قسمة السلطة الفوقية بين الحكومة المركزية وامراء الحروب ولا في تمديد الفترات الانتقالية إلى أجل غير مسمى، وإنما علاجها الحقيقي يكمن في بناء الوعي بالوطن الواحد وبالانتماء الجمعي للارض والتاريخ، وبتقوية حقيقة اشتراك الجميع في المصير والمستقبل داخل هذا الوطن، وهذه أشياء فعلتها دول متعددة تشبهنا، استطاعت إدارة التنوع وتمكنت من مزج الثقافات وبناء أمة واحدة قضت بها على أسباب الخلاف والحروب وتفرغت للبناء والنهضة، اذا لم نستطع صناعة هذا الاندماج الواقعي الثقافي الاجتماعي فلن تفيدنا اتفاقيات السلام الورقية ولا بروتكولات قسمة السلطة والثروة ولن يكون هناك معنى لتمديد الفترة الانتقالية.
sondy25@gmail.com