حالة الخوف والحذر باتت تتلبس كل قاطني العاصمة الخرطوم ،كل من تضطره الظروف للخروج من منزله لقضاء حاجة أو الذهاب للعمل يسأل الله أن يحفظه لحين عودته سالما إلى منزله ،أولياء الأمور تنقبض أنفاسهم مع خروج الأبناء إلى المدارس أو الجامعات لحين عودتهم سالمين ، حالة الخوف هذه أصبحت هي العنوان الأبرز للحياة في الخرطوم بعد تكرار حالات الانفلات الأمني التي تعيشها، الحديث في مجالس المدينة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي القاسم المشترك فيه حكايات النهب والسلب والقتل والترويع،كل صبح جديد يحمل حكاية جديدة من حالات خطف هواتف المواطنين وحقائب النساء في الطرقات العامة وتهديد المواطنين بالسلاح، هذه الجرائم أصبحت أشبه بالظاهرة اليومية، في أرجاء العاصمة الخرطوم مما أدى الى انعدام الأمن وزرع الخوف في قلوب المواطنين خاصة في أطراف الولاية
أفلام الرعب :
حكايات أشبه بقصص أفلام الرعب تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي ويحكيها الناس في مجالسهم وفي المواصلات، حكايات لا يمكن أن يصدق أحد أنها تحدث فعلا وفي الخرطوم التي كانت تعيش في أمن وأمان ، من تلك الحكايات، ما شهدته خلال الاسبوع الماضي مدرسة صفية الثانوية بالكلاكلة التي تعرضت طالباتها لأقسى لحظات الرعب حين شاهدوا سكين المجرم تنال خمسًا منهن ولا تستثني مدرستهن ليتم إسعافهن وهن في حالة إغماء . حكاية ثانية من حكايات أفلام الرعب التي تعيشها الخرطوم، شقيقان في عد حسين لقيا حتفهما ذبحًا وطعنًا غدرًا بسكين مجرم نال منهما بعد أن تسلل لهما متسورًا حائط منزلهما لتفجع مدينة كاملة وتصدم صدمتها الكبرى. والثالثة هي حكاية صاحب مغلق العمارات الذي دخل عليه مجرمون وقيدوه ثم أخذوا كل مافي خزانته أكثر من مليار جنيه، وولوا هاربين، هذه مجرد نماذج وما لم تتناوله الوسائط أكثر.
طالب أم درمان وقتيل الطلمبة:
حكاية الطالب عبد العزيز الصادق محمد الطالب بالفرقة الثالثة بكلية علوم المختبرات بجامعة أم درمان الإسلامية ،واحدة من حكايات التراجيديا المحزنة التي هزت مجتمع الخرطوم لبشاعتها ولكون الضحية فيها طالب جامعي،عبدالعزيز لم يدر في خلده أن تكون نهاية حياته بهذه الصورة الفظيعة حيث سدد له المجرمين طعنات قاتله من سكين أنهت حياته، وقبل أن تفيق الخرطوم من هول الفاجعة في مقتل الطالب عبدالعزيز صدمت مرة أخرى بحكاية مقتل وكيل محطة الوقود (أويل انرجي) بشير عبد الله حمد في يوم الجمعة أفضل أيام الله ،والذي وجد مقتولا داخل مكتبة بالطلمبة بالسوق الشعبي أم درمان طعناً بـ(سكين) من قبل مجهولين ونهبت الأموال التي كانت في مكتب المحطة ، حيث عثر عليه فى مكتبه بالطلمبة موثوق الأيدي والأرجل ومطعون من الخلف وخزنة المكتب مفتوحة
حكاية صلاح :
صلاح يعقوب واحد من العشرات الذين تعرضوا لحوادث بطرق وأشكال مختلفة وكان هدفها كلها النهب ، صلاح مواطن يسكن مدينة ام درمان ،حكى قصته ل(التحرير ) وقال أثناء سيره بحي ام بدة شارع كرور اعترض طريقه ثلاثة شباب يمتطون دراجة بخارية (موتر) وحاصروه ثلاثتهم واوسعوه ضربا وهو رجل تجاوز الستين من عمره ، حاول مقاومتهم ودخل معهم في معركة خسر في نهايتها هاتفه وكل ما جيبه من أموال، ويواصل صلاح حكايته ل(التحرير ) ويقول إنه بعد تلك المعركة لم يشعر بما حدث له وقد عرب المجرمون وتركوه ملقى على الطريق ،وقام بعض المارة باسعافه ونقلوه إلى مستشفى حاج.الصافى حيث تم علاجه بعد أن أصيب ساعده بكسر. صلاح أشار في حديثه إلى أن الحادثة التي تعرض لها أكدت له ان شرطة محلية امبدة يصعب عليها محاصرة التي تنتشر فيها بصورة كبيرة ، وطالب بضرورة دعم الشرطة بهذه المحلية حتى تتمكن من محاصرة الجريمة
الشرطة تناشد : المدير العام لقوات الشرطة الفريق أول شرطة حقوقي خالد مهدي إبراهيم ناشد المواطنين بضرورة تأمين أموالهم ومنازلهم ومركباتهم وعدم تركها عرضة للمجرمين، وأكد خلال حديثه في مؤتمر صحفي (الأحد 20 مارس 2021 ) عدم وجود جهات تنظم مثل هذه الجرائم، وأشار إلى تنظيم حملات لإزالة العشوائيات بالخرطوم وأطرافها لتجفيف منابع الجريمة، وقال سيكون هنالك عدد كبير من كاميرات المراقبة في جميع طرق المدينة بالإضافة إلى انتشار عربات النجدة.
خطة استثنائية :
من جانبه كشف الناطق باسم قوات الشرطة اللواء عمر عبد الماجد عن وضع خطة استثنائية على مستوى محليات ولاية الخرطوم لحسم التفلتات الأمنية تشرف عليها رئاسة الشرطة بالانتشار الأمني الكامل. وقال في تصريحات صحفية إن التلفتات الأمنية التي كان مسرحها عدد من الأحياء بالعاصمة الخرطوم خلال الفترة الماضية هي إفرازات لظروف وأسباب مختلفة تحدث من ضعّاف النفوس، وأكد أن الشرطة لديها قوة قادرة على حسم تلك التفلتات ووضع الأمور في نصابها.
جذور بعيدة :
الكاتب والمحلل عبدالله رزق قال إن ظاهرة الفلتان الأمني التي تشهدها العاصمة الخرطوم هذه الأيام يمكن ردها إلى جذور بعيدة تمتد إلى سياسات النظام المباد، والتي اهتمت بأمن النظام واهملت أمن المواطن وسلامته ، من ثم اهتمت بالأجهزة التي تحمي النظام، واهملت الأجهزة التي تحمي المواطن، ووطنه، وومتلكاته. وأكد رزق في حديثه ل (التحرير ) أن التعدي على المواطنين، وعلى ممتلكاتهم، وتفشي العصابات والجريمة المنظمة، ليست أمرا جديدا، وإنما هي مفردات واقع ظل المواطنون يعانون منه، في العاصمة، كما في الأقاليم، ويقول رزق أن الكثيرون يرون أن تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأزمات المعيشة وصعوباتها، سببا مباشرا لتنامي الجريمة، غير أن الفساد الذي ترسخ في بنية النظام نفسه، كان له أثره في ضعف استجابة قوى إنفاذ القانون في التصدي للتحدي الذي أصبحت تمثله التفلتات الأمنية الفردية، مثلما تمثله الجريمة المنظمة وعصاباتها، وأشار رزق إلى أن البعض يرون أن عصابات النيقرز، والتي يعتقد بأن لها صلة ببعض الأجهزة الأمنية للنظام البائد، تقوم بدور مرسوم لها في خلق الفوضى، والإخلال بالأمن والنظام، وإشاعة الرعب في أوساط المواطنين، ولكن ارزق يؤكد أن أضعاف القوى المعنية بحفظ الأمن، وعدم تأهيلها، وعدم توفير مستلزمات عملها ومتطلباته، بجانب أضعاف سلطة القانون وحكمه، أسهم في خلق بيئة مواتية لانتشار الجريمة والمجرمين،وقال رزق ان ذلك يؤكده ما أشارت له أصابع الإتهام في العديد من القضايا التي يجري التحقيق بشأنها، أو تلك التي تنظرها المحاكم، إلى ضلوع نافذين من العهد المباد في العديد من الجرائم الجنائية، وليس في حماية المجرمين، ومساعدتهم في الإفلات من العقاب، وقال إن ذلك يمثل ركنا أساسيا من أركان تفشي الإجرام وانتشاره وأن عدم إنزال العقاب بالمتفلتين، ومن يقف خلفهم، قد ساهم في إضعاف عامل الردع الذي يمكن أن يكون مهما في الحد من الإجرام.
جيل الجليد :
ويرى رزق أن حوادث السرقة وخطف الممتلكات المرتبطة بالعنف، والتي طفت على سطح الأحداث في العاصمة، مؤخرا، ليست سوى الجزء المرئي من جبل الجليد، ولا يمثل غير جزء يسير من النشاط الذي يقوم به صغار المجرمين. وقال إن اجتثاث جذور الفساد، وبسط سلطة وحكم القانون، عبر أجهزة شرطية كفوة وفعالة، يوفر الشروط الملائمة لبيئة آمنة معافاة للقضاء على شبكات الجريمة المنظمة، سواء كانت تلك الجريمة ضد الإنسان ام ضد المال أو ضد أمن الوطن والمواطن.
أسباب متداخلة :
أما الصحفي والكاتب محجوب الخليفة يرى أن أسباب اﻹنفلات الأمني متداخلة ( سياسية -إقتصادية- آجتماعية)، ويقول إن اﻷسباب السياسية تظهر في ضعف اﻹدارة السياسية للبلاد وغياب الرؤية الواضحة تجاه مطلوبات الناس الضرورية وهي الغذاء والدواء وكل الضروريات بما فيها خدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها . ويشير الخليفة في حديثه ل ( التحرير ) إلى أنها تظهر أيضا من خلال غياب شفافية الحكومة فيما يتعلق بالسلام والوضع الأمني بالبلاد، ويقول إن المواطن لايعرف تفاصيل اتفاق جوبا ولا يفهم دخول جيوش الحركات المسلحة إلى الخرطوم وتواجداها وسط اﻷحياء السكنية ولماذا، وماهي الترتيبات المتعلقة بدمج جيوش تلك الحركات وسكوت الحكومة عن معالجة تواجد قوات متعددة ومسلحة داخل العاصمة وحول المدن مما يجعل السيطرة علي تحركاتها أو ضبط من يستغلون وجودها ﻹرتكاب الجرائم. ويقول الخليفة إن الدوافع اﻹقتصادية الناتجة عن ضعف السياسات تكون سببا مباشرا في ازدياد معدلات اﻹنفلات اﻷمني، ويشير إلى أن السرقات والخطف والتعدي على البيوت وترويع اﻷسر، هي جرائم ترتكبها شرائح معينة تعاني الفقر والعوز وتواجه ضغوطا معيشية في غاية الصعوبة، ويقول يجب اﻹنتباه إلى أن هذه الشرائح تعاني أصلا من الجهل ولديها اعتقاد مسبق بالظلم اﻹجتماعي والتهميش ويرى الخليفة أن اﻷسباب اﻹجتماعية وهي اس المشكلة لأنها متعلقة بمعضلة الهوية والثقافة السالبة المتراكمة حول التصنيف العنصري والقبلي وأثر ذلك في البناء النفسي السالب، وقال أنها سبب مباشر للشرخ اﻹجتماعي الموجود والمؤثر جيدا في اضعاف التماسك اﻹجتماعي وتعريض السلام اﻹجتماعي للضربات بأستغلال الضعف السياسي والضغط اﻹقتصادي.
أعداء التغيير :
الصحفي الطيب إبراهيم رئيس قسم الأخبار بصحيفة الأخبار يرى أن فترات الانتقال في الحكم دائماً ما تصاحبها حالات انفلات أمني، وأشار إلى أنها ظاهرة تم رصدها في عدد من الدول التي قامت فيها ثورات تغيير، وقال إن السودان ليس نشاذاً وأن ظاهرة الانفلات الأمني فيه بالقياس إلى دول أخرى فإنها تكاد تكون قليلة. ويقول الطيب في حديثه ل ( التحرير ) إن التغيير دائماً ما يكون له أعداء وبالمقابل فهو يغري المجرمين في ظل وجود حالة السيولة، التي تكون دافعا إلى تفشي الجريمة في ظل وجود رخوة أمنية. ويؤكد الطيب ان مثل هذه الظواهر ستنتهي طال الزمن أم قصر وسيرجع السودان مع وجود استقرارسياسي واقتصادي إلى الوضع الطبيعي وستسجل دفاتر الشرطة حالات جريمة عادية لا يمكن وصفها بالظاهرة مثلما هو حادث الآن