وسط أجواء احتفالية مساء اليوم السبت الموافق 27 مارس وفي أمسية أدبية متفردة غرّد فيها شعراء الملتقى من ضيوف البلاد وأبنائها ، تزيَّن مسرحُ مؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية(النيمة) بأمسية استثنائية كتبت نفسها بأحرف من ذهب في خارطة الأمسيات الأدبية والثقافية التي احتضنتها مؤسسة النيمة العريقة ، وجاءت الأمسية في ثوبٍ بهيج حيث صدح فيها الشعراء الواثق يونس وعبدالقادر المكي وشيريهان الطيب من السودان والشعراء د.عارف الساعدي من العراق والشاعر أبكر عبدالرحمن من جمهورية تشاد والشاعر بكري عمر سيسي من جمهورية مالي افتتح مقدم الأمسية الشاعر محمد المؤيد المجذوب في استهلاليته بعد الترحيب بالحضور مباشرة بتقديم الأستاذ أبو عاقلة إدريس ممثلا لمؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية (النيمة) والذي رحب بالحضور شاكرا لبيت الشعر الخرطوم على مثل هذه الشراكات، كما أكد على أن هذه الأمسية أُضيفت إلى قائمة الأمسيات المميزة التي تشكلت وفقا لخارطة الشراكة المثمرة بين مؤسسة النيمة وبيت الشعر، وأضاف الشاعر والناقد الأستاذ أبو عاقلة إدريس في حديثه المستفيض عن مؤسسة شمبات وتاريخها العريق وإنجازاتها مستحضرا بعض الذين مرّوا بمنبرها قائلا: لقد ظل منبر النيمة – منذ تأسيسه في عام ١٩٩١م – ولا يزال على العهد به حديقة مخضوضرة الأحرف تغرد فوق أغصان دوحته الباسقة عصافير الشعر الغردة، وأذكر هاهنا- على سبيل المثال لا الحصر – أصوات الشعر الشاهقات من شتى المذاهب والتيارات الفنية وتباين الاتجاهات ومغايرة الكتابة وطرائق الأداء والمحافظة على تواصل الأجيال من الأصوات التي سجعت بأعذب الهديل في منبر النيمة : البروفيسور عبدالله الطيب ومحمد مفتاح الفيتوري والدكتور تاج السر الحسن و الهادي آدم والدكتور محمد الواثق و صديق مدثر و مصطفى سند ومحمد المكي إبراهيم وعبدالله شابو وعالم عباس و أسامة الخواض و عبدالقادر الكتيابي و الصادق الرضي و هاشم صديق ومحمد طه القدال وأزهري محمد علي ومحمد عبدالقادر أبو شورة والتجاني حاج موسى وإسماعيل الإعيسر ومن خارج السودان الشعراء العراقيين شعراء المربد : عبدالرزاق عبدالواحد ود.عبدالمطلب محمود وساجدة الموسوي وأمجد محمد سعيد وباسم فرات بالإضافة إلى شعراء المنابر الصديقة ، وفي مقدمتها بيت الشعر الخرطوم ، ومنتدى مشافهة النص الشعري الذي عقد مهرجانه العام – إبان عهد تكميم أفواه المنابر الإبداعية الحرة – هنا في مقر النيمة .. في شمبات التي قدمت شهداءها عارية صدورهم منافحة عن شرف الوطن وكرامته في أوجه الطغاة والظلاميين إباءً للضيم وعزة قعساء هي في الأصل عزة هذا الشعب الذي هو ضمير الوعي وكلمة الاستنارة .. شمبات التي تمثلت في هبتها الجسورة وفي ثورتها العارمة في انتفاضة التراب صوت فتاة الحُلاحِل (عُرس الفداء) الصداح الراحل الدكتور مبارك بشير ، وفي زمن التداعي تتدافع الجماهير سيل العرمِ تستلهم حضارات الشعب وإرثه الباقي على مدى العصور : هاهنا يبتسم النهر القديم لبعانخي ولتهراقا وللمهدي وودحبوبة والقرشي والموت الفدائي العظيم نذكر اليوم جميع الشهداء كل من خطَّ على التاريخ سطرا بالدماء نذكر اليوم جميع الشرفاء كل من صاح بوجه الظلم … لا ونغني لك ياوطني كما غنى الخليل مثلما صدحت مهيرة …. تلهم الفرسان جيلا بعد جيل ونغني لحريق (المكِّ) في قلب الدخيل للجسارة … حينما استشهد في مدفعه عبدالفضيل .. أما كلمة بيت الشعر الخرطوم فكانت مع الدكتور الصديق عمر الصديق الذي حيَّ الجمع ورحّب بضيوف البلاد من العراق وتشاد ومالي واستهل ترحيبه بالشكر لمؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية(النيمة) مضيفًا : لقد أخذنا من شمبات مافيها من كل ما هو جميل بها شمبات العريقة لا غرو أن تنجب النيمة، والنيمة ليست شجرة فحسب وإنما هي ظل يسع كل أهل السودان ونسعد بأن ضيف الملتقى الكبير هذه المرة هو الشاعر الدكتور عارف الساعدي من العراق واليوم أضافت النيمة لروادها شاعرا عراقيا كبيرا يستحق أن تُضرب له قبةٌ حمراء هنا كما كانت للنابغة في عكاظ . كما قرأ الدكتور الصديق أبياتا لشعراء من العراق وشعراء من السودان شكلت في تمازجها تشابه الوجدان بين أدب الرافدين وأدب النيلين ورحب الدكتور بالشاعرين التشادي أبكر عبدالرحمن والمالي بكري عمر سيسي مؤكدا أن مالي وتشاد هما من أهم دول الحزام السوداني مشيرًا إلى أن المزاج السوداني يمثل هذا الحزام الذي يمتد من جيبوتي حتى غرب إفريقيا وشكرا شعراء السودان الشباب المشاركين في الأمسية شيريهان وعبدالقادر المكي والواثق وهنأ الشاعر الواثق يونس بمناسبة فوزه بجائزة الطيب صالح مُشَبِّهًا إياه بالفيتوري الصغير كما شكر د. الصديق عمر الصديق سعادة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي ظل يرعى بيوت الشعر من الخليج إلى المحيط من الشارقة إلى نواكشوط ضربة البداية كانت مع الشاعرة الصاعدة شيريهان الطيب التي حلقت بالحضور في عوالم السحر بقصائد عذبة راودت بها قلوب الحضور كما فكرة النار قد راودت الشاعرة في نصها الأول الذي حمل هذا العنوان “تراودني فكرة النار” واختتمت قراءاتها بقصيدة نثرية واعتلى منبر النيمة من بعد هذه الشاعرة شاعرٌ قادم من جمهورية مالي هو الشاعر الشاب بكري عمر سيسي الذي استهل قراءاته بأبيات للفيتوري في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق حدَّقتُ بلا وجهٍ ورقصت بلا ساق وزحمت براياتي وطبولي الآفاق عشقي يفني عشقي وفنائي استغراق مملوكك لكني سلطان العشاق معبرا عن حبه لشاعر إفريقيا محمد مفتاح رجب الفيتوري قائلا : لو لم تنجب إفريقيا شاعرا غير الفيتوري لكفاها ، ثم أنشد قصيدته التي عنونها ب(عتبةٌ عند باب زليخة تحنُّ لزائرها”إدريس جماع” ) والتي يقول فيها كلُّ القصائدِ فيكِ يا سمراءُ غرقى، ليس عيباً أن يبلِّــلَــني الغرامْ أنا يا بقيَّةَ رشفةٍ للحبِّ جئتكِ ظامئاً ووعاءُ خمرِ الحبِّ إنّي وحيدٌ واقفٌ خلف القصيد أعيش لا جسدٌ وكلّي فيكِ ذابْ مُلْقىً على صحراء هاجرَ إذ أَهِيمُ محمَّلا جرحَ الرمالِ وصحوَها فزليخةٌ تأبى وتغلقُ دوننا أبواباَ حتَّام من شمسٍ يظلِّلُني الهيامْ هذا الشِّغافُ زرعته قمحًا على سطح الصّحارى كيْ أعانقَ فيّ كلّ غزالة رشفتْ هوَى الفنجانِ من كأسِ الملامْ الشاعر عبدالقادر المكي المجذوب كان ثالث المشاركين وهو الذي ضخَّ دماء القوافي في أوردة فضاءات شمبات وسط تفاعل من جمهور الشعر مغردا في استهلاليته: أحدثك الآن عن راهبٍ شاخ تسبيحُه في يديه وعلّق الكونُ أجرامَهُ في مداهْ.. يحاصرُه في الخيال نبيٌ ويلفظه للظنون إله.. وتنهدُّ عيناهُ من لوثةٍ في الغروب فليس يرى للوصول اتّجاه.. وكم ضلّ عن فكره ألفَ عامٍ َوضلّتْ بألفٍ خطاه.. فيا بعد ما لن يرى ويابؤسَ ما قد يراه.. أيا شاردا لاتقيل وياسابحا في النّشيد وياراكباً منذُ حطّت بلابلُه في الأغاني ومذ غرّد الشيبُ في غصنه الكهلِ وانساق كالنّهرِ تخنقه ضفتاه.. وتلى المكي الشاعر أبكر عبدالرحمن الذي تغرب عن وطنه تشاد ولكنه لم يجد غربة حقيقية في السودان وهو الذي يرى في وجوه أهل السودان وجوه أهله ويقول: أن السودان وتشاد كانتا رتقًا ففُتِقَتا ، وفي قصيدته مئذنة الوداع حلق بعيدا .. يقول في مطلعها : بروحك طائرا فوق السحاب ونجمك صامد رغم الضباب تمهل أيها الفجر المسجى بثوب النور في لحد التراب ويا صمتا تدفق منه نهر فحرك صخرة الأرض اليباب بمئذنة الوداع مددت كفا إلى العلياء ترفل بالذهاب. صعد إلى المنبر بعد الشاعر التشادي الشاعر الواثق يونس الذي تلألأ نجمُهُ في فضاء الشعر بعد عودته من مسابقة أمير الشعراء وفوزه بالمركز الثاني بجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي “مجال الشعر ” قد صدح بقصيدتين إحداهما حملت عنوان ديوانه الفائز بالجائزة السالفة الذكر ” نازحٌ في فضاء الجسد ” ومن أبياتها : رأت رغبة خبأتها السّنون. رأت وجعاً نام حين انشغلنا عن الأرض بالمهرجان السماوي رأت فكرة كنت خبأتها عن فضول صديقي كي يحتفي بالهوى شعرنا المستبدْ. رأتني كما حلمت أن تراني ولم أر غير انشطاري بين تضاريسها والسماء الـمجرّات هائمة في العلو. والصباحات راكضة في نقاء الوجوه وأنا نازح في فضاء الجسدْ. وختام الأمسية الثانية من ملتقى النيلين للقصيدة العربية كان من نصيب ضيف البلاد شاعر الرافدين الدكتور عارف الساعدي وكان الختام مسك بعبق ورائحة المسك حقًا الساعدي الذي بعث بتحية من الرافدين إلى أرض النيلين وأرسل محبة كبيرة من بغداد إلى الخرطوم وانسكب شعرا أروى به القلوب الظامئة لعذوبة القريض، وفاض طوفانه ليغرق شمبات بالجمال ومما أنشد قصيدته الموسومة بالطوفان يقول فيها : ناديتُه وخيوط الصوت ترتفعُ هل في السفينة يامولاي متسعُ ناديتُهم كلَّهم هل في سفينتكم؟ كأنَّهم سمعوا، صوتي وماسمعوا ورحتُ أسألُه ياشيخ قسمة من نجوتَ وحدك، والباقون قد وقعوا؟ وهل سترتاح؟ هل في العمر طعم ندى؟ وأنت وحدك والصحراء تجتمعُ وكيف تبدأ هذا الكون ثانيةً وقد تركتَ الفتى والموج يصطرعُ أنا صغيرك، إقنعني وخذْ بيدي أم أنت بالموت والطوفان مقتنعُ الماء يأكل أحداقي وتبصرني كيف استرحت وعيني ملؤها هلعُ وهل ستذكر؟ قبل الموت كيف دنا عيني تضيق، وعين الموت تتسعُ وهل تنام؟ وفي عينيك نابتة عيون طفلك والالعاب والمتعُ أم سوف تنساه مزروعاً بخاصرة الطوفان، يركله الطوفان والفزعُ ياشيخ ذاكرتي الأولى ويا أبتي ويآالذي ضاق بي تقواه والورعُ أكتافك السمر ياما قد غفوتُ بها وصدرك الفرح المنسيُّ والوجعُ كل التفاصيل مرَّت في مخيلتي البيتُ والأهلُ والأشجارُ تجتمعُ صدى غراماتي الاولى وأسئلتي والقبلةُ البكر والأسرار والخدعُ مرَّت سريعاً عليَّ الناس والتصقوا في دمعتي وعلانا الموج فانشلعوا كل الحكايات يامولاي تبصرها وتزدريها، لهذا حزننا جشعُ أنت الذهبتَ بعيداً عن مواسمنا لتصنعَ الكون لاخوفٌ ولاطمعُ ماذا صنعت؟ وهذي الناس ثانيةً من كل ليلٍ إلى سوءاتهم رجعوا صاغواملامح موت لايليق بنا وحزمةً من منافٍ فوقنا وضعوا واورثوا كل شيب الارض في دمنا متنا كثيرا وقلوا موتكم جرع لاجل من انت يامولاي ترفضني لاجلهم اكلوا الدنيا وماشبعوا وهاهم زرعوا الانهار خيط دم وكم حصدناه في صمت وكم زرعوا ماذا صنعت اذن مولاي معذرة كلي سؤال وشكي كله بقع هل اقتنعت بهذا الكون ياابتي ام نهر حزن لهذا الشيب يرتفع ياكم بكيت عليك الان ياابتي فقد غرقت كثيرا عندما طلعوا اني لابصر في عينيك ياابتي اشجار خوف بلا خوف ستقتلعُ وقد رايتك ندمانا ومنكسرا وفوق حزنك ينمو سكّرٌ ورعُ نحتاجك الان للطوفان ثانيةً فربما نصف طوفان وننتفعُ فاصنع سفينتك الأخرى وخذ بيدي فإنَّني الآن بالطوفان مقتنعُ في الختام تم تكريم المشاركين في الأمسية التي أدارها الشاعر الشاب محمد المؤيد المجذوب باقتدار كما تم تكريم أسرة مؤسسة النيمة من قبل إدارة بيت الشعر والتزم الحضور بكافة الإجراءات الاحترازية من تعقيم وتباعد مع الالتزام بلبس الكِمامات للحد من انتشار جائحة كورونا .