قامت حكومة السودان بالتعاون مع البنك الدولي بتكملة اجراءات تسديد متأخرات السودان للبنك الدولي، ذلك بتمويل تجسيري من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وتمويل من البنك الدولي.
وأكد مجلس الوزراء في تصريح صحفي السبت (27 مارس 2021 ) أن العملية تؤكِّد عودة التعاملات الطبيعية بين السودان ومجموعة البنك الدولي، بما في ذلك المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) ، ومؤسسة التمويل الدولي (IFC)، والوكالة الدولية متعددة الأطراف لضمان الاستثمار (MIGA) بعد قطيعة قرابة الثلاثين سنة.
وأشار مجلس الوزراء إلى أن عملية سداد المتأخرات تُمكِّن السودان الاستفادة وفوراً من برنامج البنك الدولي للدعم المُيسَّر من خلال تمويل مباشر بقرابة الـ 635 مليون دولار، والتي ستكون متوفرة مباشرةً لحكومة السودان، منها مبلغ 215 مليون دولار دعم مباشر للموازنة و 420 مليون دولار لتمويل برنامج (ثمرات) لدعم الأُسر، والذي يهدُف لمساعدة حكومة السودان في تخفيف آثار الإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها لأجل بناء اقتصاد يستفيد منه جميع المواطنين. وقال مجلس الوزراء أن السودان سيحصل أيضا على تمويل بمبلغ 2 مليار دولار على مدى عامين لتمويل الأولويات التنموية للحكومة السودانية في مختلف المشاريع الوطنية في قطاعات البنية التحتية والصحة والتعليم والزراعة وغيرها من القطاعات المنتجة،
وأكد مجلس الوزراء إن دفع السودان لمتأخراته المالية للبنك الدولي تُعتبر واحدة من أهم نتائج الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم الحكومة الانتقالية بتطبيقها، كما ستساهم عملية سداد المتأخرات بشكل مباشر في مساعدة الحكومة الانتقالية لتطبيق برنامجها الاقتصادي الذي يضمن استقرار ونمو وازدهار الاقتصاد في السودان وخلق فرص عمل لجميع المواطنين.
تتويج لمسار صعب:
الخطوة حظيت باهتمام كبير من جانب رواد وسائل التواصل الاجتماعي وكتاب الأعمدة والمقالات بالصحف الورقية والإلكترونية ، وتباينت حولها الرؤى بين من يرون فيها خلاص لأزمات البلاد وبين من يرون أنها تبعية جديدة لسياسات البنك الدولي ستزيد (طين) معاناة الشعب السوداني (بلة ). رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك غرد عبر صفحته على (فيس بوك ) وقال بسدادنا لمتأخرات السودان لدى البنك الدولي، نكون قد بدأنا إزالة عبء الديون الخارجية عن كاهل بلادنا، مع حصولنا على مِنَح بقيمة 215 مليون دولار للميزانية و420 مليون دولار لمشروع (ثمرات) ، وفتح تمويل مشروعات الحكومة التنموية بمنحة بملياري دولار على عامين.
وأشار حمدوك في تغريدته إلى أن الخطوة تعد تتويجا لمسار صعب ومؤلم صبر فيه الشعب، وأدى لانتصارات حقيقية منها رفع إسمنا من قائمة رُعاة الإرهاب وتوحيد واستقرار سعر الصرف، في سبيل التأسيس لاقتصاد تنموي يستفيد منه كل مواطنينا، فالمشروع الوطني الذي نعمل له يرتكز على الاستقرار والازدهار الاقتصادي كما يرتكز على التوافق السياسي.
وعبر حمدوك عن شكره الشعب السوداني ولشعب وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الدوليين في طريق إنجاح النموذج السوداني في الانتقال نحو الديموقراطية والسلام والتنمية.
البدوي يهنيء :
وزير المالية السابق البروفسير إبراهيم البدوي قدم من خلال صفحته على (الفيس بوك) التهاني للشعب السوداني وللحكومة الانتقالية على إنجاز ترتيبات دفع متأخرات ديون السودان المستحقة لدى البنك الدولي .
وقال حسب علمى ومن مصادر موثوقة من المتوقع أن يتمكن صندوق النقد الدولى أيضا من إيجاد آلية لتسوية متأخرات السودان، والآن نستطيع أن نتحدث عن إعفاء الديون والخروج من حفرة عمقها ستون مليارا من الدولارات إلى آفاق تدفق الإستثمارات المؤسسية – على سبيل المثال من قبل مؤسسة التمويل الدولية بالبنك الدولي وصندوق التنمية الأفريقي التابع لبنك التنمية الأفريقي – التي عادة ما توفر التمويل لمشاريع التنمية الاستراتيجية من خطوط السكك الحديد، والطرق ومحطات التوليد الكهربائي والمطارات العالمية، مما يهيئ البنية التحتية لاجتذاب الاستثمار الخاص لتحديث الزراعة السودانية الواعدة وبناء قطاعي الصناعة والخدمات وتوفير الوظائف للشباب وكذلك إعادة الإعمار ودعم عملية السلام.
وطالب البدوي الأحزاب والنخب السياسية التي قال إنها أعاقت مشروع الإصلاح الإقتصادي لما يقارب العامين دون فهم أو كتاب منير بالإعتذار لهذا الشعب الصابر ولشباب ثورة ديسمبر المجيدة، لما تسببوا به من ضرر بالغ للاقتصاد السودانى ولمعاش الناس ومستقبل هؤلاء الشباب.
فرحة القرض الأمريكي:
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد عبدالقادر سبيل وصف العملية بأنها خطوة جيدة للأمام ،لكنه أشار إلى أن ديون السودان لم تكن سبباً رئيساً في أزماته الاقتصادية المستفحلة منذ منتصف السبعينيات.
وأكد سبيل في حديثه ل (التحرير ) أن الفساد وسوء الإدارة وقلة الهمة هي مصدر الوبال وأن (سكتة القروض) ربما كانت في لحظة ما سبباً في عدم الحصول على مزيد من القروض لأجل مواجهة الأزمات الطارئة بواسطة حلول ترقيعية سهلة. وقال إن ما حدث هو أن البنك الدولي اشترط سداد متأخرات اقساط تقاعست الحكومة السابقة عن سدادها مما أدى إلى حرمانها من أي قروض جديدة أو أية مساعدات تستحقها ضمن نادي الدول الأقل نمواً والأشد فقرأ ،وأشار إلى أن واشنطون قامت بالتعاون مع البنك الدولي نفسه بمنح السودان قرضا تجسيريا وليس منحة بقيمته 1.15 مليار دولار وفاء لأقساط مجمدة بطرف البنك الدولي.
وقال سبيل إن القصة هي مجرد قرض لن يتسلمه السودان ولكنه سيحصل بموجبه على خدمات البنك الدولي المتمثلة في المساعدات والقروض والاعفاء من ديون في اطار مبادرة (الهيبك).
وأشار سبيل إلى أن جني ثمرة هذا للحصول على المساعدات الدولية قد تطول مدتها وقد تقصر حتى لا يتعشم الشعب في تغيير أحواله بعد اسابيع قلائل أو حتى شهور.
ووصف الفرح بهذه الخطوة بأنه فرح بائس يضاهي ابتهاج اليتامى لمجرد قطعة كعك فخمة منحت لمن يرتجى منه أن يمنحنا كسرة خبز أو ربما يكتفي باعفائنا من سداد قيمة ما استهلكنا من خبز يابس في سالف الأيام الغابرة.
خطوة نحوالتعافي:
الصحفي والكاتب المختص في الشأن الاقتصادي هاشم عبد الفتاح قال إن أبلغ توصيف للاختراق الذي حدث عشية الجمعة بين الحكومة والبنك الدول هو ما قاله الدكتور إبراهيم البدوي وزير المالية السابق.. (بأن السودان وبهذا التوقيع خرج من حفرة عمقها ٦٠ مليار دولار) إلى الفضاء العالمي الفسيح.
وأكد عبدالفتاح في حديثه ل (التحرير ) أن الحكومة السودانية لأول مرة تخطو خطوات جادة لسداد متأخرات البنك الدولي، و قال ان هذه الخطوة أعطت انطباعاً ممتازاً وإيجابياً لدى المؤسسات المالية والاقتصادية على المستووين الدولي والأفريقي بأن السودان بدأ يخطو نحو التعافي الاقتصادي والانعتاق من قيوده ومكبلاته الداخلية والخارجية وأشار إلى أنها خطوة جديرة بالتدبر والتأمل في مدلولاتها وانعكاساتها على المدى القريب والبعيد، وليس بالضرورة أن نجني ثمارها بين عشية وضحاها أو أن يكون الناتج المباشر لهذه الثمار مادياً أو محسوساً ،وقال لكننا لابد أن نفرح بتخطينا لحواجز النفس وبداية مسيرة الخروج الفعلي من تلك (الهوة العميقة) والتصالح مع المنظومة المالية الدولية. وطالب عبدالفتاح الحكومة أن تعكف منذ الآن في وضع رؤيتها وسياساتها للانفتاح الخارجي لاستيعاب تلك التحولات واشتراطاتها.