أرى أن اتفاق المباديء، الذي وقعته في جوبا اليوم (٢٨ مارس ٢٠٢١) السلطة الانتقالية بالسودان في مرحلتها (الثانية) ممثلة في رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان و( الحركة الشعبية) بقيادة الأستاذ عبد العزيز الحلو ، يشكل خطوة حيوية وشجاعة .
الخطوة تشكل حدثا ايجابيا، لأنها قد تفتح باب المعالجة لمشكلات مزمنة ، وتعزز السعي نحو بناء دولة (المواطنة) اذا صدقت نيات طرفي التوقيع و(شركاء المرحلة الانتقالية) وكل القوى السياسية التي شاركت في صنع فجر السودان الجديد.
باب المعالجة للمشكلات القديمةالمتجددة ،وتمتين ركائز دولة (المواطنة) ، يمكن أن ينفتح على مصراعيه، لأن المباديء التي توافق بشأنها الطرفان خاطبت أمهات المشكلات، وطرحت رؤى محددة، اذ شددت أولا على وحدة السودان واستقلاله،وهذه مسألة مهمة لكل السودانيين.
وفيما نصت المباديء على أن (لا حل عسكريا) لأزمات السودان،فان التأكيد على حتمية التوصل الى (حل سياسي سلمي وعادل) هو استجابة لنبض الشعب، الذي فجر ثورة شعبية سلمية وضعت كما قلت في عدد من الفضائيات والمقالات قبل وبعد انتصار الثورة الشعبية ، نهاية لمنطق البندقية،وانهت أجواء الحرب،لأنها خلقت مناخ تنفس طبيعي يتيح أوسع فرص التلاقي بين السودانيين.
ما يميز اتفاق المباديء أيضا أنه أشار بوضوح الى ضرورات (الاعتراف بالتنوع الديني والثقافي في السودان)ولفت الى قضية (إدارة التنوع ومعالجة مسألة الهوية).
هذه المسألة تعكس أم القضايا والمشكلات،اذ ليس من حق أحد أن يفرض دينه وثقافته على أي سوداني، لأن من حق المسلم والمسيحي واليهودي واللاديني أن يتمتع بحقوقه كاملة، ويشمل ذلك حرية العبادة والتنمية والعمل (الخ) .
في أول مقال كتبته ضد انقلاب (الجبهة القومية الاسلامية) نشرته في صحيفة (العرب) القطرية في ١١ يوليو ١٩٨٩، حيث كنت أعمل هناك ، جاء في عناوين المقال أن (دائرة الصراع ستستمر اذا لم يتم التوصل الى حسم قضية الهوية والثوابت) وجاء في عنوان آخر ( الديمقراطية اختيار شعبي.. والتوصل لحلول حقيقية للمشكلات يتطلب فلسفة سياسية واضحة).
واقع الحال أكد ما كتبته اذا استمر الصراع في واقع انكفاء سياسي يناقض روح العصر ، وتعنت وديكتاتورية وظلم وبطش باسم الدين، الى أن انتصر شعبنا وأطاح بالمستبدين.،ودائما أردد أن رعاية الله وعونه ساعدت شعبنا في اطاحة الظالمين.
انه درس مرير تلقاه ويتلقاه من يتلاعب بالدين ، ويسيء الى قيم الاديان ،وهي قيم رفيعة،وعلينا أن نحترمها قولا وعملا،لأنها تحض على العدل لا الظلم.
هذا يعني في سياق اتفاق المباديء في جوبا أن التشديد على بناء (دولة مدنية تحمي حرية المعتقد والضمير) يجيء ليرسم بدايات مطلوبة لبناء مرتكزات دولة (المواطنة) التي يجد فيها كل السودانيين الحرية الدينية والثقافية في تنوع هو مصدر ثراء لمجتمعنا التعددي بتكوينه،وهذا يتطلب قوانين عصرية تحمي حقوق كل الناس .
اتفاق المباديء تضمن أفكارًا ومواقف مهمة شملت التوافق على تحقيق العدالة بتوزيع السلطة والثروة بين كل أقاليم السودان،والتأكيد على بناء جيش قومي مهني واحد يعكس التنوع وأن يكون ولاؤه للوطن وليس لحزب أو جماعة).
وجدت في اتفاق المباديء أفكارًا ظللت أرددها وأكتبها على مدى ثلاثين سنة، هي عمر النظام الديكتاتوري الظالم والفاسد.
لهذا أدعم اتفاق المباديء بين السلطة الانتقالية في مرحلتها (الثانية) وأدعو الى مواصلة المفاوضات ،لينضم القائد عبد العزيز الحلو الى مسيرة التغيير في السودان الجديد.
وصفت الحلو في مقال قبل أشهر عدة بأنه (قائد كبير)، تعليقا على موقفه الايجابي تجاه الحكومة المدنية الانتقالية ، وهو يجيد قراءة المتغيرات الحقيقية والمتسارعة داخل السودان والاقليم والعالم،وهي تؤشر كلها كما قلت في مرات عدة الى أن المستقبل في العالم كله للسلام والحرية والعدالة التي ظل يعمل من أجلها لسنوات عدة.
الكرة الآن في ملعب (شركاء الفترة الانتقالية ) ويشمل ذلك الموقعين على اتفاق جوبا (الأول) للسلام ،ليدعموا اتفاق البرهان -والحلو.
الكرة الآن في ملعب كل القوى السياسية الداعمة للحكومة، والمعارضة لها، لتؤكد كيفية ومدى دعمها لاتفاق المباديء وأساليب انحيازها للسلام ،الذي يحتاج لانضمام الاستاذ عبد الواحد نور لمسيرة التغيير من الداخل ليكون السلام شاملا ،و لتتحقق العدالة والحرية للجميع.
في هذا السياق أقول.. لا مستقبل لمن يستخدم الدين في مزايدات سياسيةولأغراض ومصالح خاصة ..
من يفعل ذلك سيهمش دوره ، ويلغي فاعليته في رسم وبناء خارطة الفعل والمشاركة في السودان الجديد..
من استخدموا الدين أداة للبطش والقمع ووسيلة لسرقة المال العام احترقوا سياسيا قبل أن يطيح بهم الشعب، لأنهم تنكروا لواقع التنوع والتعدد في المجتمع السوداني،.وفشلوا في ادارة التنوع الجميل في مجتمعنا .. وهنا يكمن المحك والتحدي لأي نظام سياسي في السودان.
التحية لمن يسعون الى اطفاء الحرائق في أي مكان في السودان .. لإشعال الشموع وسط العتمات.. انتصارا لكرامة الانسان .. كي ينعم بالعيش الكريم .. وفي صدارة ذلك احترام حقوق الإنسان..
– لندن- ٢٨ مارس ٢٠٢١