الإثنين ٢٨ مارس ٢٠٢١
صحيفة الديموقراطي
الدوران والهُتاف خارج دائرة النداء الوطني المُتعلِّق بإرساء دعائم النظام الديموقراطي ، وما يحتويه من مباديء أهمها إحترام حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة والتداول السلمي للسلطة وإستتباب دولة المؤسسات والقانون وغيرها من القيَّم التي ناضل من أجلها الشعب السوداني ، يُعتبر طبيعياً إذا كان صادراً من الذين لم يملكوا ما يعينهم على (فهم وإستيعاب) الطموح الحقيقي لهذا الشعب في ما هو مطلوب من (تغيير مُنتظر) ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، كيف يستغرب الناس أن يعجَّ السودان بأرتال من (المُغيَّبين) عن نبض الشارع وأهداف الثورة ، في شتى مؤسسات الدولة ومن بينها الشرطة والجيش والخدمة المدنية والجهاز المصرفي وشركة الكهرباء ومصفاة الخرطوم وموانيء بورتسودان ومطار الخرطوم وغيرها من المؤسسات ؟ ، كيف نستغرب ؟ ووضع هؤلاء يناسب مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه) ، فهم يفتقدون إلى (مصادر) سابقة تعينهم على توسعة مداركهم الديموقراطية ، لأنهم ببساطة ومنذ بدايات تكوينهم الفكري والسياسي والثقافي والمهني كانت جُل مصادرهم المعرفية في فقه التعامل مع عامة الناس وخصوصاً البسطاء الذين لا مصلحة لهم في هذه البلاد سوى العيش الكريم والكرامة والحرية ، مُجرَّد عناوين عريضة خطَّها نظام الإنقاذ الشمولي البائس ، فلم يستوعبوا في ما تعلَّموا وخبِروا غير ما إحتوى من مساويء أخلاقية وفضائح قيَّمية وسلوكية أودت به في نهاية الأمر إلى مذبلة التاريخ.
لا نستغرب أفعال وأقوال الذين يُقارنون ما نحن فيه الآن من تحديات مع ما سبق من حكم ديكتاتوري غاشم ، من أبواب لا ترقى إلى إستيعاب الرؤى المُقدسة لدولة الحريات والعدالة والسلام التي يأملها هذا الشعب الذي يستحق ، على سبيل المثال يُراهنون على أن تكون الأزمات المعيشية التي يعانيها المواطن السوداني (مدخلاً) لحنينهِ وأشواقه إلى عهد الذُل والهوان كما يُحنَّون ويشتاقون ، ويتغاضون عمداً عن أن حكومة الفترة الإنتقالية في الواقع المُعاش لم تستلم دولة ، بقدر ما إستلمت (ضيعة) كان يملكها نافذي حزب المؤتمر الوطني البائد ، كما لا نستغرب أن لا يعلم مدير الشرطة أن الشرطة السودانية في دولة (التغييرالمنشود) قد إستفادت من إلغاء قانون النظام العام قبل إستفادة المواطن السوداني ، وذلك من المنظور الإفتراضي لإيمانها ودرايتها بأن صيانة كرامة الإنسان وحقوقهِ من أهم وأقدس واجباتها ، وأن مكافحة الجريمة وإستتباب الأمن المجتمعي لا يحتاج إلى قوانين تفسح المجال بلا قيد لإنتهاك حرية وكرامة المواطن السوداني.
ركون الشعب السوداني بوعيه المُتمرِّد على واقعهِ المُضني إلى فضيلة الإصرار على الصبر و(الإنتظار المُتفائل) ، ريثما يتم إعادة بناء الأركان الأساسية لدولة السودان التي إجتهدت عصابة الأمس في هدمها لثلاثون عاماً بمعاوِّل الفساد والعُلو بالنفوذ والقوة والبطش ، هو السلاح الإستراتيجي الأكثر أهميةً من الإصلاح السياسي والإقتصادي في معركة تمكين المسار الديموقراطي وإعتماده منهجاً مُستمراً وخالداً لإنتاج العدالة والمساواة والتنمية المُستدامة ، بغير هذا السلاح (الفتَّاك) لن يصمُد هذا الأمل الجماعي في مواجهة أولئك الذين لم ولن يستوعبوا (العريضة) الوطنية التي خطها الشعب السوداني بدماء شهدائه وتضحياته التي ما زالت تتوالى يوماً بعد يوم وفي مقدمتها (مراهنتهُ) على (العبور) إلى بر الأمان طال الزمان أم قصر.