لم يضرب سمعي أن هناك مواطن أو مسئول حكومي له رأي مُغاير حول حقيقة أن العدالة هي أضعف حلقات مثلث شعارات الثورة، وأن حلم الشعب بتحقيق العدالة فور قيام الثورة نحو عشرات الألوف من جرائم الإنقاذ ضد النفس والمال والفساد قد ذهب مع الريح، وغاية ما ناب الشعب من ذلك هو ما يطالعه بعد عامين من قيام الثورة لما جرى لضحايا بيوت الأشباح ضمن برامج (الفِرجَة) بالتلفزيون.
كما ليس هناك خلاف حول حقيقة أن مسئولية كل ذلك تقع بشكل أساسي على رأس جهازي النيابة والقضاء (“الحبر” و “نعمات”)، بسبب عدم إيمانهما بإجراء إصلاحات في الجهازين ووقوفهما ضد التغيير، ومن هنا يأتي السؤال: لماذا تقف السلطة الإنتقالية عاجزة عن إقالة هذا الثنائي بما يؤدي إلى النهوض بهذا الملف؟ وهل صحيح أن ذلك يرجع إلى غياب نص الوثيقة الدستورية على الجهة التي تملك إصدار القرار؟
الإجابة قطعاً وجزماً عدم صحة هذا الزعم، ذلك أن معالجة هذا النقص بالوثيقة كان يمكن تكملته خلال نصف نهار في جلسة مشتركة بين مجلسي الوزراء والسيادي، وقد فعل المجلسان من جنس هذه التعديلات والترقيعات بالوثيقة منذ صدورها بما يلزم وما لايلزم حتى أمست مثل جلابية الدرويش. كما تم إختراق الوثيقة والدوس على نصوصها عشرات المرات، ومن ذلك، مثلاً:
تم خرق المادة التي تنص صراحة على عدم جواز تولٍي الشخص الحزبي للمناصب الوزارية، كما خُرقت الوثيقة بتسمية نائب أول لرئيس المجلس السيادي دون وجود نص بذلك، وخرق مجلس السيادة بتجاوزات لا تُحصى للسلطات والصلاحيات التي تنص عليها الوثيقة، وأغفلت السلطة الإنتقالية القيد الزمني المحدد بالوثيقة لقيام المجلس التشريعي، كما أغفلت تنفيذ نص الوثيقة على إعادة المفصولين للخدمة وجعلت ذلك بأيدي وقرار من ظلوا في خدمة النظام ….الخ
والحال كذلك، لماذا إستعصى التعديل هذه المرة بإدخال نص يمنح المجلس السيادي سلطة العزل والتعيين في هذين المنصبين؟ ولماذا تقف الثورة عاجزة أمام عقبة شكلية تسببت في القعود بالثورة؟
ثم من قال بأن تعديل الوثيقة الدستورية هو المخرج الوحيد الذي يتيح إقالتهما وإستبدالهما بغيرهما من المقتدرين؟ فقد طرح قانونيون على السلطة الإنتقالية فتوى لها مرجعية في قاعدة منصوص عليها في قانون تفسير القوانين مؤداها يقول بأن السلطة التي تقوم بالتعيين (أو نظيرتها) يكون لها سلطة العزل من الوظيفة.
على الشعب أن يُدرك الحقيقة، “لن تتحقق عدالة ولن يستقيم عود الثورة دون إزاحة”الحبر ” و”نعمات”.