كل يوم يمر من عمر الفترة الانتقالية يظهر ان المؤتمر الجامع لمناقشة قضايا الحكم والهوية والحرب هو الخيار الأفضل لعبور الأزمات التاريخية في بلادنا، بشرط أن يضم هذا المؤتمر جميع الفرقاء السياسيين بلا استثناء بما فيهم الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاقية السلام وبما فيهم الحركة الإسلامية واحزابها التي اسقطتها الثورة، فمفردة ( مؤتمر جامع) تعني جمع الكل وعدم إقصاء أي مكون سياسي او اثني او اجتماعي لأي سبب كان، حتى لا يترك باب رجعة عند البعض للانقلاب على المباديء التاريخية التي يرسيها هذا المؤتمر الجامع بحجة أنهم لم يكونوا شركاء فيه. التمثيل لهذا المؤتمر يجب أن يختار بطريقة عادلة وإذا تعذر ذلك فالأفضل أن يتم انتخاب جمعية تأسيسية من الشعب لغرض واحد هو كتابة دستور دائم للأمة السودانية، وانفضاضها بعد ذلك.
الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة الانتقالية مع حركات الكفاح المسلح كلها اتفاقيات ثنائية لم يشارك فيها قطاع واسع من السودانيين وبالتالي فهي ليست دستورا ملزما، ووصفها الطبيعي بناءا على ذلك انها اتفاقيات ثنائية ملزمة لمن وقعوها وغير ملزمة لمن تم إقصاءهم عنها، وهذا الباب بالتحديد يجب أن تنتبه اليه الحكومة الانتقالية، فهي حكومة انتقال جاءت بها ظروف استثنائية غير طبيعية وليست حكومة أصيلة منتخبة من الشعب، وبذلك فهي غير مفوضة للحديث بإسم الشعب في قضايا جوهرية مثل قضايا الهوية والعلمانية، الأمثل ان تناقش الحكومة الانتقالية مع حركات الكفاح المسلح ما دون ذلك من القضايا وتترك القضايا الحساسة للمؤتمر الدستوري لضمان مشاركة الجميع في صياغتها والاتفاق عليها.
فعلها حمدوك بطريقة منفردة من قبل في أديس أبابا حين وقع مع الحلو على العلمانية، ثم هاهو البرهان يفعلها مجددا في جوبا !! وهذا يجعلنا نتسال لماذا هذا الانفراد بالقرارات؟ لماذا الإصرار على مصادمة الاغلبية ومواجهة الكتلة السياسية التاريخية؟ هل يواجه قادة الحكومة الانتقالية (البرهان وحمدوك) اي ضغوط خارجية تدفعهم لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات الثنائية؟ ام انهم تطابقوا في المفاهيم مع الحركة الشعبية؟ وهل تم الاستماع لبقية مكونات الحكومة الانتقالية؟ فحزب كبيرا شريكا في السلطة ويتسنم منصب وزارة الخارجية مثل حزب الأمة أصدر بيانا صريحا برفض العلمانية التي جاءت في ثنايا اتفاق البرهان- الحلو فهل تمت مشاورة حزب الأمة قبل توقيع هذا الاتفاق؟ هل تم اطلاع وزيرة الخارجية؟ ام ان الامر تم بتجاوزهم وعدم اطلاعهم؟! وهذا إن حدث فإن مؤسسة الحكم الانتقالي مازالت تحتاج الكثير لكي تصبح مؤسسة حقيقية شفافة ومتماسكة ويشترك الجميع في قراراتها، فقد صدر قرار التطبيع من قبل بصورة احادية ثم هاهو قرار فصل الدين عن الدولة يصدر بصورة احادية!! فأي سلطة تحكمنا الآن؟ سلطة شراكة ام سلطة فردية؟!
مهم ان يعي قادة الحكومة الانتقالية أن بناء الأمة لا يحدث بالارتجال ولا بالاتفاقيات الثنائية وإنما بالإجماع والتوافق، والقضايا الحساسة مثل التي تتعلق بالهوية وعلاقة الدين بالدولة يجب أن تعامل بحذر وتدرس وتناقش في مؤتمر دستوري، ولا يجب ان يتم نقاشها او التوقيع عليها في غرف مظلمة في بروتوكولات ثنائية بين الحكومة والحركات المسلحة، فهذا يجعلها عرضة للرفض الجماهيري ويفقد الحكومة الدعم الشعبي ويعرض البلاد لزلازل ومعارك ليس هذا وقتها، وحتى إذا مرت الاتفاقية عبر الفترة الانتقالية فربما سيكون مصيرها المراجعة او الالغاء بالكامل من قبل اول برلمان منتخب بحجة أنها مجرد اتفاق ثنائي لم يستشار فيه الشعب. لذلك مهم ان ينتبه المفاوضون عن الحكومة اهذه القضية ويعملوا على تضمين حق المواطنة في الاتفاقية مع ترحيل العلمانية لتناقش في المؤتمر الدستوري بمشاركة الحركة نفسها وبقية أطياف السودان اجمع.
sondy25@gmail.com