من عجائب اتفاق البرهان – الحلو ان السادة اليساريين في حيرة وربكة عجيبة إذ أن مصير علمانيتهم التي يتباكون عليها أصبح مقيدا بعدوهم اللدود الفريق البرهان، لقد أسقط في يدهم وهم يرون لحظة انتصارهم التي انتظروها لسنين طويلة يرفع رايتها البرهان، فلم يدروا ايبكون ام يضحكون. قالوا في البرهان ما قالوا، وهاهم أولاء يحتمون به لتمرير العلمانية!! اتهموا التيار الذي وقع اتفاق الشراكة مع العسكر بالهبوط الناعم وهاهم يهبطون بطريقة ناعمة كالحرير على يد البرهان، فلا تواصل المقال قبل أن تضحك وتسخر من عجائب الاقدار.
ما لا يفهمه هؤلاء السادة ان قضايا الهوية لا يستطيع البت فيها سوى الشعب السوداني، هي ليست بيد قائد الجيش ولا رئيس الحكومة وإنما بيد الشعب، يقررها بنفسه وليس على الرئيس والجيش الا السمع والطاعة للشعب سيد السلطات، لذلك ما يتمخض عنه التفاوض بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة اذا لم يعرض على مؤتمر دستوري او جمعية تاسيسية منتخبة ويحشد له الإجماع الشعبي اللازم فسيكون مجرد اوراق لا معنى لها، ومتى ما عاد الحق للشعب عبر الانتخابات سيقرر بارادته الانتخابية الحرة إقرارها أو تعديلها أو رميها في سلة المهملات.
مازالت سياسة الحكومة الانتقالية تضع العربة أمام الحصان، تطلب في ود الحركات وتبذل لها الوعود والأماني والتنازلات وتنسى الشعب السوداني، لا يرفض الشعب السوداني تحقيق السلام والعدالة ولكنه لا يقبل ان يتم البت في غيابه في قضايا عليا كفصل الدين عن الدولة، هذه قضية قد تنسف الفترة الانتقالية برمتها وتعيد البلاد لنقطة الصفر ولا يجب التهاون في التعامل معها ولا اقتحامها بطريقة اقتحام التطبيع ووضع الجميع امام الأمر الواقع، سياسة الأمر الواقع قد تنجح في تعويم العملة وفي رفع الدعم وفي العلاقات الدولية ولكنها لن تنجح في قضايا الهوية الدينية، فالدين ليس خبزا ولا بترولا ولا سياسة وإنما حياة ومحور وجود، وبالتالي مس المقدسات لدى الأغلبية ليس بالأمر السهل ولا الهين ولا يجب ان يكون.
نعلم أن إعلان المباديء ليس سوى مدخل للتفاوض وان التفاوض قد يقود إلى غير ما كتب في هذا الإعلان، ولكننا نعلم كذلك ان الحكومة الانتقالية الآن تسيطر عليها أفواج من اليساريين ولولا وجود حزب الأمة القومي معهم في السلطة لأصبح السودان دولة يسارية كاملة الدسم، وتوقيع البرهان على إعلان المباديء مع الحركة يشير إلى تقارب الجيش مع اليساريين في الحكومة وهو تقارب قد يفلح في تمرير فصل الدين عن الدولة خلال الفترة الانتقالية ولكنه سيقود الى رد فعل شعبي قوي لاحقا،فالشعب السوداني لا يسكت ابدا على اختطاف قراره ومسؤلياته وستكون اقل الردود المتوقعة هي اسقاطهم في الانتخابات العامة، لذلك اذا اراد البرهان وفصائل اليسار مستقبلا سياسيا انتخابيا في هذا البلد فعليهم ان يتمسكوا بترحيل قضية الدين والدولة للمؤتمر الدستوري وليس البت فيها في المفاوضات الراهنة.
sondy25@gmail.com