فيما تنطلق اليوم (٣ أبريل ٢٠٢١) في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية جولة جديدة لمفاوضات سد النهضة، بمشاركة وزراء الخارجية والري بالسودان ومصر وإثيوبيا ، يبدو مشهد تفاعلات الخلاف بين السودان ومصر من جهة،واثيوبيا من جهة أخرى شديد الوضوح والتعقيد .
السودان ومصر لا ينازعان إثيوبيا في حقها بشأن انشاء سد النهضة ،وهذا موقف معلن وايجابي،لكن يشدد البلدان بوضوح أيضا على ضرورة التوصل الى اتفاق قانوني ملزم، بشأن تعبئة وتشغيل السد ، وعدم الاضرار بالسودانيين والمصريين بشأن حق الشعبين في تدفق المياه من نهر دولي،وضرورة التوافق على آلية لفض أي نزاع قد يطرأ مستقبلا.
من يتأمل موقف السودان ومصر من دون أي انحياز يجده منطقيا ،ويحرص على التوافق مع الحكومة الاثيوبية في هذا الشأن.
إثيوبيا من جهتها تطلق تصريحات على ألسنة عدد من مسؤوليها ، تشدد فيها على أنها قطعت أكثر من ٧٥ بالمئة من عملية بناء السد،وأنها ستقوم بالتعبئة الثانية في يوليو المقبل ، أي تتخذ الخطوة من جانب واحد، كما فعلت في عملية الملء الأولى، ما يعني أن حكومة إثيوبيا ترسل رسائل سلبية للسودان ومصر.
في الوقت نفسه تخاطب الحكومة الإثيوبية شعبها بلغة أقرب إلى لغة التحدي للخرطوم والقاهرة ، لا السعي الى التفاهم ، ويبدو ان ذلك يجيء تحت تأثير استعدادات لخوض انتخابات قريبا ،وهاهي أزمة الصراع الدموي في اقليم تغراي تجيء لتزيد من تعقيدات المشهد الحكومي الإثيوبي.
على صعيد السودان ومصر ،أكدت التفاهمات الحالية بين مسؤولي البلدين أن هناك موقفا موحدا ،وهذا تطور ايجابي ، اذ تدعو الخرطوم والقاهرة الى اتفاق قانوني ملزم وآلية لفض أي نزاع مستقبلي، مع التأكيد على عدم الاضرار بشعبي البلدين،.
الماء مسألة حياة أو موت ولا تقبل حساسية القضية أنصاف الحلول والمساومات، والتفريط في مستقبل الشعبين،مع التمسك بحق إثيوبيا الكامل في بناء السد والاستفادة منه في مشاريعها التنموية ،وهذا حق لأديس أبابا.
الخرطوم والقاهرة دفعتهما تطورات الأحداث الساخنة الحالية – بعد ان باتت جولات التفاوض تدور في حلقات مفرغة- الى تعزيز العلاقات وتوحيد الموقف،وهذا تطور ايجابي ايضا ،ومطلوب باستمرار،وليس في أوقات الشدة فقط.
مثلما تربط شعب السودان علاقة تاريخية مع الشعب الإثيوبي، ومصالح مشتركة،فانني أرى منذ سنوات أن علاقة شعبي وحكومتي السودان ومصر يجب أن تتعزز باستمرار، بمشاريع ملموسة، لتحقق منافع مشتركة وتكاملا حقيقيا وليس كلاميا .
حقائق التاريخ والجغرافيا أكدت وتؤكد أن أمن السودان من أمن مصر،والعكس صحيح،وقد كتبت غير مرة أن في استقرار وأمن ونهضة مصر أمن و استقرار للمنطقة كلها .
المأمول أن تساهم تطورات الأحداث في الاقليم والعالم في بلورة قناعة مشتركة لقيادتي البلدين، تؤدي الى أن ترتاد العلاقات السودانية المصرية في المرحلة الحالية والمستقبلية آفاقا ومسارات عملية وواقعية تؤدي الى تحقيق مكاسب ومنافع متبادلة ،يحس بجدواها مواطنو البلدين ،بعيدا عن نهج (التغني) بعبارات لا تسمن ولا تغني من جوع.
المحكات الصعبة تقدم دروسا مهمة ،وتفتح مدارس، تتيح للسياسيين أوسع فرص التعلم في فصولها المفتوحة .
هذه المدارس مفتوحة أيضا لاخواننا في اثيوبيا،اذ أن مصالح شعوب الدول الثلاث تفرض على القيادات ضرورات التوصل الى تفاهمات عبر الحوار،لنزع فتيل أي توتر وانفجارات متوقعة ،وربما تبدو حتمية اذا لم تقتنع اثيوبيا بأهمية التوصل الى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة ، وآلية لفض أي نزاع.
رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد (الذي أشدت بحصوله على جائزة نوبل للسلام في مقال نشرته في ١١ اكتوبر ٢٠١٩ ،كما نوهت بدوره في دعم التوافق بين السودانيين بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨) مدعو أكثر من أي وقت مضى أن يدرك خطورة المشهد الحالي ولا يخضع لجماعات الضغط المحلية،حتى لا يخسر أكثر مما خسره حاليا في أوساط الرأي العام السوداني والمصري ،وفي أوساط الدول الكبرى،وبينها بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
الاستقرار في المنطقة ليس شأنا اقليميا فحسب،فمصالح دول العالم تتداخل،واستقرار السودان ومصر أولوية لدى واشنطن وأوروبا.
في هذا الشأن على الحكومة الإثيوبية أن تقرأ بعناية دلالات التحركات الأميركية والأوروبية عشية اجتماعات كينشاسا ،حيث تترأس الكونغو الديمقراطية حاليا الاتحاد الافريقي.
أديس ابابا مدعوة أكثر من أي وقت مضى أن أن تقرأ بعناية أبعاد الانتقادات الحقوقية بشأن انتهاكات حقوق الانسان في تغراي،وما تعنيه الانتقادات الحقوقية أيضا لحكومة الرئيس آسياس أفورقي فيما يتعلق بدخول قواته الى تغراي، مع ادانات دولية لعمليات ارتكاب انتهاكات بشعة لحقوق الانسان.
حقوق الانسان باتت قضية دولية ذات أولوية ..خصوصا بعدما تولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأميركية،وقضية المياه تدخل في هذا الاطار ، وأرى أن قضية الماء ،شريان الحياة، هي قضية حقوق انسان من الدرجة الأولى .
في سياق تأمل مسارات الأحداث بشأن سد النهضة علينا أن نتأمل ما يعنيه انعقاد اجتماع كينشاسا غداة تصريح شديد الوضوح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن عدم قبول المس بقطرة ماء مصرية، وانه اذا جرى ذلك، فان استقرار المنطقة سيضطرب، كما جاءت مناورات جوية سودانية مصرية في مروي السودانية، لترسم بعض تفاعلات المشهد وتعقيداته.
هذا معناه أنه اذا لم تتخذ وتخطو حكومة إثيوبيا خطوة ايجابية في كينشاسا لتفتح باب التفاهمات مع السودان ومصر ،فان الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات.
المأمول أن ينتصر صوت العقل، لتتعزز العلاقات السودانية المصرية الاثيوبية .. لخير الشعوب في المنطقة كلها.
مصلحة شعوب الدول الثلاث(السودان ومصر وإثيوبيا) تكمن في التوصل الى تفاهمات.. تبني جسور التواصل والتعاون..
كينشاسا فرصة مهمة وحيوية وربما أخيرة أمام رئيس الوزراء أبي أحمد وحكومته.. والإتحاد الافريقي حتى لا يفقد الجانبان البوصلة….
– لندن – ٣ أبريل ٢٠٢١
صحيح ما خطه قلم الصحفي المحترم محمد المكي عن المأمول أن يتم في مباحثات كنشاسا وخاصة من الجارة إثيوبيا وابي احمد تحديدا بأن يتخذ الموقف الصحيح حتى يعزز ثقة الجيران في نواياها والتي وضع صورة إيجابية لدى الشعب السوداني وهو يقاوم النظام البائد حتى أن بعض الساسة لقبوه شريك الثوار…أن مباحثات كنشاسا يجب أن لا تقتصر على مشكلة سد النهضة فقط، فمشاكل القارة فيما يختص بالحدود عديدة فإن حسمت سد النهضة والمياه فهنالك الحدود بين السودان واثيوبيا في منطقة الفشقة وأخرى بين السودان ومصر على مثلث حلايب…الحلول المجزئة لا تجلب سلام ولا تشجع المستثمر الأجنبي بالدخول في القارة.
حعوتتى لا ادري لماذا تصر إثيوبيا على رفض الوساطة الدولية وفي الوقت نفسه تؤكد ان ملا السد سيكون في الوقت المحدد ضاربة بالاعتراضات على هذه الخطوة عرض الحائط ؟
بعد التحية
حسب راي الشخصي اعتقد ان الموضوع فقدان بوصلة بسبب مماطلة إثيوبيا وعنادها المستمر والتلويح الدائم بملء السد في يوليو المقبل بعد فشل كل اجتماع .. الله غالب