هاتفني أستاذنا معلم الأجيال الملقب “بكتة” وبمجرد أن قرأ مقالنا عن الحلنقة عبر قرون في صحيفة السوداني وظل يشيد بالمقال ويطلب إضافة بعض الشخصيات الحلنقية والهامة التي تستحق ذكر مناقبها وإسهاماتها والعميد أحمد محجوب شورة من المعلمين العمالقة الذين أفنوا زهرة شبابهم لتربية الأجيال وأعداد المعلمين كان عميداً للمعلمين حينما كان المعلم معلماً بمعني الكلمة له تقديره وسط المجتمع، كان المعلم وناظر القبيلة وضابط الشرطة صفوة المجتمع ويذكرنا أستاذنا أحمد محجوب شورة الملقب بكتة بعض الشخصيات من الحلنقة والتي لعبت دورها في تاريخ السودان، الفريق الخواض محمد أحمد قائد عام القوات المسلحة السودانية البكباشي نور مؤسس المدرسة الأهلية بأم درمان وملجأ القرش، ومحمد عبدالله نور عميد كلية الزراعة، وإبراهيم نور وكيل التربية والأستاذ الجليل بابكر محمد أحمد القاضي وكيل وزارة التربية والأستاذ مندور المهدي والدكتور مجذوب الخليفة والبكباشي محمود أبوبكر شاعر “صه يا كنار” والقائم مقام حسين بك طاهر والعميد أحمد أبوبكر ولم استغرب لاهتمام العملاق النوبي بكتة وبتاريخ أهلنا الحلنقة فالرجل عاش في كسلا كالنحلة مواصلاً وعاملاً لربط العلاقات القديمة والمتجددة بين البجا والنوبيين، ويقول المؤرخون إن الملك ماكسوح ملك البجا والملك عاليق ملك النوبيين تعاونا لصد جيوش العرب الغازية للسودان قبل إنتشار الإسلام.
وفي كتابه المسيحية في السودان أورد المؤرخ والمستشرق الايطالي “فانتيني” حقيقة تاريخية هامة وهي أنه حينما حاول الملك الروماني أن يغزو البجا أعلن الملك النوبي التعبئة القصوى بين جيوشه استعداداً لدخول المعركة إن غزا الروم منطقة البجا، وهذه كانت أول تضامن سوداني سوداني عرف في تاريخ السودان إذن أن التضامن والتعاون بين البجا والنوبيين له تاريخ قديم ومن حسن الصدف ان تلتقي القوميتان البجا والنوبيون في حلفا الجديدة لتتمازج اللغات وتمتزج الدماء عبر أواصر القربي فالسودان في الواقع هو بلد النوبيين والبجا ومن الطرائف عن تمازج اللغات أن واحداً من البجا جاء الي تاجر نوبي وكان يريد شراء “خيط” فقال البجاوي “أنا داير كيت” حيث أن البجا ينطقون “الخاء كافاً” ولم يعرف النوي مطلب البجاوي ولكن لما أشار البجاوي الي الخيط قال النوبي “ده ما النوبي كيت ده هيد يا.. عملاقان نثرا جلائل اعمالهما بكسلا العميد كتة والأستاذ علي صالح داؤود مدير التعليم والشاعر الفنان والذي عرف بسلوكه الأدبي العالي والرجلان يجسدان ملامح الفراعنة في أجسامهما الفارعة والتقت القومية البجاوية والنوبية في بطانة “أبو علي” ويسود اللسان المعوج بلد المسادير ولغة الضاد ولو كان الحاردلو موجوداً لاحتج شعراً قائلاً:
الليل العجم سادوا البطانة يترطنو
كان شاقوهم ناس عبدالله كانو يزعلوا
السبب الحماني العيد هناك أحضروا
كسير الاعاجم لغة الضاد والنحو
وأستاذنا الاديب الاريب علي صالح داؤود هو والد مولانا عبدالرحمن علي صالح داؤود قاضي المحكمة العليا ومن موروثه الأدبي ما ذكره لي الأستاذ فكري عبدون المفكر والراهب باحدي قري حلفا أن أستاذ علي صالح داؤود كان يهجو النظم الشمولية والتي يسيطر عليها حكم الفرد واصفاً “سدنة” ذلك النظام قائلاً قال الزعيم أمرت جندي ان يصبوا النار فوق الخارجين على النظام فصفقوا واستدرك القول الزعيم وقال بل أنني رأيت العفو أولي بالكرامي فصفقوا ولو أنه قال الزعيم لقومه أني سأسقي جمعكم كأس الحمام لصفقوا والنوبيون ملح الأرض في السودان وهم أول من فتح ابواب الهجرة والإغتراب وبنوا مؤسسات دول الخليج بعلمهم وتجاربهم الثرة والنوبيون مقاتلون في ساحات الوغي حتي سماهم “رماة الحدق” والنوبيون قوم مسالمون نتيجة لتجذرهم الحضاري وتنساب من أفواهم “الطرفة” على السجية ومن مشاهيرهم بكثرة حسن دفع الله مدير مديرية كسلا الأسبق والذي وضع إستراتيجية طموحة لتنمية شرق السودان والتي فشل اللاحقون من الحكام في تنفيذها، التحية للراحل المقيم الصديق كمال الدين أحمد عبدالكريم وزوجته الفاضلة والمناضلة علوية وهو من الذين سكبوا العرق لخدمة أهل كسلا، كإداري له أداؤه المتميز.
والتقدير لمولانا القاضي بكري الذي عاش حياته في المحاكم رقيق الحال معدما وحينما فصل من القضاء فرهدت حياته واغتني بعد أن امتهن المحاماة والتف حوله سماسرة الأرض وتحياتنا الخالصة للإداري المحنك أحمد عبداللطيف معتمد حلفا السابق والذي كان يتحفنا دائماً بالنكتة الذكية والتقدير للصحفي القدير عبدالجليل أحمد عبدالجليل والذي ظل يشهر سيف الحق في وجه الظالمين ولتدم العلاقات الاخوية بين أهلنا النوبيين والبجا.