احدى ابداعات ثورة ديسمبر العظيمة شعارها الخالد باذن الله ( حرية / سلام / عدالة ) ومن صمم هذا الشعار كان حريصا على وضع الحرية في المقدمة وقبل السلام وقبل العدالة ايمانا منه ان الحرية هي الاساس في تقدم الامم والشعوب وكما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل اربعة عشر قرنا ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ) فالحرية قيمة انسانية وقيمة اسلامية خالصة لا يختلف عليها الا مكابر .
ولكن السؤال المهم والذي يقض المضاجع .. هل نحن بالفعل نفهم معنى الحرية ؟ وهل نحن نمارس حرية حقيقية ؟ وهل ما يحدث باسم الحرية في مجتمع ما بعد الثورة هي فعلا الحرية المنشودة ؟ وهل ما نعيشه ونشاهده يوميا باسم الحرية هي ذات الحرية التي استشهد طلبا لها ابطال ثورة ديسمبر ؟ ام هي الفوضى بعينها وان الحرية بريئة مما نعيشه بأسمها براءة الذئب من دم بن يعقوب ؟
اخترت ثلاثة نماذج لاحداث مختلفة جرت خلال الايام القليلة الماضية حتى نتبين ان ما نمارسه باسم الحرية هي في حقيقتها بعيدة كل البعد عن الحرية وتصل لمستوى الفوضى الغير خلاقة ونأسف ان نسميه بالانحطاط الاخلاقي
المثال الاول ما حدث من جريدة الانتباهة ونشرها للخبر المفبرك لسيدة الاعمال الكنغولية وتصوير افلام اباحية في الخرطوم وللاسف الصحيفة نشرت الخبر كخبر رئيسي وبالمانشيت الاحمر في صدر الصفحة الاولى وكتب رئيس تحريرها في اليوم الثالث مقالا طويلا يمجد الصحفية التي نشرت الخبر ويمجد صحيفته ( الغراء !!!!!) وانها الصحيفة الاولى والاعلى انتشارا لمصداقيتها . وعندما تبينت الحقيقة وزيف ادعاءات الصحيفة والصحفية مر هذا الامر مرور الكرام ومازالت الصحيفة تصدر ومازالت الصحفية تكتب وكأن شيئا لم يكن ..
هل هذه هي حرية الصحافة التي نريدها ؟؟ وزارة الاعلام لم ولن تتخذ موقفا من الصحيفة او الصحفية ناشرة الخبر فما بالنا نحن ؟ على اقل تقدير ( قاطعوا ميتينا زاتو ) حتى تتعلم ان هذه ليست حرية صحفية بل صفاقة وعدم اخلاق .
المثال الثاني وفي فيديو منتشر في الميديا احد ( اللايفنجية ) ذهب لشركة من الشركات التي تستورد المواتر بحثا عن قطع غيار للموتر خاصته ولم يجد قطع الغير وخرج في لايف من داخل الشركة المعنية وقال ما لم يقله بن مالك في الخمر وباقذع العبارات ووصف الشركة وكل الذين يعملون فيها بانهم لصوص وفاسدون ومن بقايا النظام السابق وكل هذه الفوضى منقولة وعلى الهواء مباشرة دون مراعاة لاي اخلاق او قيم وحدثت مشادات كلامية واشتباك بالايدي بينه وبين عدد من الموظفين من داخل مباني الشركة المعنية وكما ذكرت كل هذا الهرج والمرج منقول وعلى الهواء مباشرة . هل هذه هي الحرية التي ننشدها ؟؟
مثال ثالث واخير .. وهذه المرة من داخل نادي الاسرة بحي الخرطوم تلاتة والتي تغني بها الراحل احمد المصطفى رحمه الله ( انا دستوري نازل في الخرطوم تلاتة) والنازل في مثالنا هو وزير الشباب لولاية الخرطوم حيث زار الشباب الذين يعتصمون داخل نادي لاسرة وذلك كمحاولة منه لايجاد حل لمشكلة تبعية نادي الاسرة مع شباب الحي العريق . وبمجرد دخوله للنادي ثارت ثائرة الشباب وهجموا عليه وهتفوا ضده ( اطلع بره ..اطلع بره يا خائن .. اطلع بره يامنافق ) وعبارات اخرى يعف اللسان عن ذكرها وحصبوه و سيارته بالحجارة وانسحب الوزير ولو لطف الله ربما حدث مكروه له او للمتظاهرين .
هل هذه هي الحرية .. وهل تحل المشاكل بهذه الكيفية الهمجمية ؟؟
هذه فقط بعض النمازج وهناك المئات من المواقف المشابه والتي تحدث في مجتمعنا وبشكل يومي وفي عدة مواقع .
الامر يحتاج لوقفه جادة .. نحن لم نفهم ولم نستوعب حتى اللحظة معنى الحرية . بيننا وبين قواعد الحرية سنوات ضوئية وما نمارسه هي الفوضى بعينها ولابد ان ندق ناقوس الخطر .. تعلموا معنى الحرية قبل ان تفقدوها بمارشات عسكرية وهي ليست ببعيدة عنا فمآلاتها واضحة للعيان الا من كان في عينيه رمد ..
اللهم بلغت .. اللهم فأشهد
كان الله في عوننا