قبل خمسة اعوام تقريبا، قام صديق قادم لتوه من السودان، باهدائي مشكورًا، فلاش من فئة ١٦ قيقا، معبأ حتي اليانق يانق، بما لذ وطاب، من الإمبي ثريهات الصوتية، حوي فيما حوى، كل او معظم مكتبة اذاعة ام درمان الصوتية الغنائية، حيث لكل فنان مكتبة رقمية، مرتبة من الاقدم للأحدث من أعماله، ام بي ثريهات غاية في النقاء والوضوح، ثروة من ابداعات أساطين الطرب السودانيين. (ساوند تراك) شامل كامل، لحيوات ملايين من أهل السودان، والقرن الأفريقي، والصحراء الأفريقية، إن شئت. رافقتني الأغاني في حلي وترحالي، شرحبيل بالعود، وشرحبيل بالجيتار، ابو داوود بالكبريتة وبالاوركسترا، وبصحبة العازف الاسطورة برعي، جواهر ويواقيت عبد الرحمن عبد الله
(حدثوني وقالو سلم)
أحمل الشوق للمعلم
واحكيلو باحوالنا سلم، اوعى اسلوبك يألم.
يأخذني الى ليلة عرس في القبة، بنات الابيض ورونا حاجة، جئن ورحن، ومشين على أعصابنا، مثل جدي الريل… أكمل…. تشهد حلاتهن، شقيش ما تروح، ممراحات بالحيل، والمطرة تصب، تمرق كأنها ما صبت، وعندما يشترون، يقولون بعنا، سو كيوت.
وردي من الطير الطاير، وحتي احدث تقنيات التوزيع، من الدوش في غرير صباه يقول (أعيشا معاك واتأسف) تسبح في تهويمات أوركسترا (اندريه رايتر)، سمعته هكذا ينطقه وردي، (على الفرقة الزمانا طويل)، ابواق (الفوقلهورن) الفرنسية الدافئة،
وفي عينينا كان يكبر حناناً.. كان وفات الحد..
الي أن بلغ بنزقه الشعري المهيب (بتطلعي إنتي من صوت طفله)، اكملوها يرحمكم الله. ومن غرير صبا (التجاني)، وخطاك والهدب المكحل وفتنة التوب الأنيق، حتى أدركت صوفيته، حين استوى رجلاً، وهبت نسيمات المساء بعد صهد النهار، ووقف شعر شجر البان كالعماليق، .. اصلو العمر شوقا كان وحزنا كان وصبرا كان فسيح وفسيح، اصلو العمر كان دربا… أكملوا.
زيدان وما ادراك ما زيدان، من قبل ان يغير ( قصر الشوق وانهد) إلى قوله ( اقول يا ربي إيه جدّ)، قبلنا بالتغيير، دون سؤال ولا جدال، ولا أحد يعلم سبب التغيير، وما وجدنا له تفسيراً علمياً، ولا يهمنا أن نعلم، سوى ان المغتربين سكنوا جده، وأننا نسميها قصر الشوق حتى هذه اللحظة. ثم تجيئك عاجلة فاعلة، (اسيرحسنك ياغالي)
Funky as funky can be
لم اسمع ( رزم سيكشن) بهذه السنكوباتية المؤسسة، في أغنية سودانية، في حياتي، فيما عدا بناديها لوردي، والتي تجعل المرء (يجدع) عمته في الهواء، و(حٌقته)، ويقذف بما تبقى من احترام لنفسه، في بحر أبيض، وحينما غناها لأول مرة في ليالي رمضان، سمعت باذني وأنا طالب في سنتي الاولى الثانوية، الشيخ الوقور الذي كان يقف بجانبي، يصيح والكوردات تفعل فيه فعلها
وررروروووووووك
قلت في سري، وأنا أنطط
ورورررووك يا كبير
وصلاح خليل (يضرب الواوة ضرباً، فتئن….)، وكذلك (حرقل) ، بنقز ابو تلاتة يا رسول الله الأمين.
ثم شالو الكلام ودو الكلام، شغل ود الحاوي، ده كلام أمهرة، ماعندنا ليه كتافين، وشغل (البيز) في أغنية (الماشي جنب النيل) لكنار بارا. وفي الأمسيات يغني صديقي المتيم، نسخته، ( أو أبقى راشد ليكي يا هدى)، آه لو علم بذلك زيدان، قلت شنو؟؟.
ثم ياتيك ابو اللمين، وتسمع التسجيل الاصلي ل (وحياة ابتسامتك)، والعازف الطلياني (منسترلي) يعزف مقدمتها بالكمان، فيحولها إلى سيمفونية نادرة المثال، وارد تسكانيا، قال ود اللمين، أنه تم اكتشافه، اي (منسترلي)، صدفة في المنطقة الصناعية بالخرطوم، حيث كان يعمل في ميكانيكا الديزل. ومن ذلك العهد وابو اللمين يقدمها في الحفلات بدون مقدمة، حفاظاً علي عطر مقدمتها الاولى. وتزوجت صاحبة الإبتسامة، تزوجت الشاعر الذي اشترط على ابو اللمبن، أن يغني الأغنية في ليلة عرسه فقط، ولكن ولبختنا فقد كان من حضور الحفل تلك الليلة، مدير الإذاعة، الذي قال
ده كلام فارغ، الأغنية دي تتسجل للإذاعة
وقال ابو اللمين، أنه تم تسجيلها على جزئين نسبة لطولها. وبعد خمسة عقود، أطلت صاحبة الأغنية، عبر زورق الألحان، فأضاءت بابتسامتها الفضاء والفضائيات، وكان أخوها مقداماً، إسمه حمد الله، هتف وهو مجرتق بالرصاص، المجد للسودان، فصار في يد الشعب شعلة لا تنطفئ.
ثم أتيت فصل الشفيع الرقمي، والذكريات ونايها الحزين في المقدمة، ما اكتمل نصاب خمسة من الشباب في ذلك الزمان، إلا وصدحوا
يا الفي الجنوووووب حيي الشمال
ثم اللون الخمري، والبان جديد، واليوم السعيد، كنا نراه في سيارته (الداتسون) الصفراء الأنيقة، فنقف إعجاباً، وكان جاداً في نظراته، فنغني
نبق جنس نبق.. الليلة
اولاد شمبات، جلسن شوف يا حلاتن، نسوة من طرير الشباب، ونقاء الثياب، و كهرباء الخفر الساكنة. وأخذني (أحمد) للجريف، كل مغطي القيف وفوقو روعة عجيبة، وهبط بي من فوق جرف، أنسي العتاب الكنت ناوي اقوله، إلى شط الرجوع المنهزم، وما أعذبها من هزيمة.
(تيهي يا حلوة)
عركي في نهارات ساكنة، واشجار النيم تظلل الهاجرة، كملائكة رحمة، وفي (أمسيات) ونظرات (هادية) تكاد تشف عن نار تفتح اشداقها، وتفح لظى، غنى (بخاف)، فاصاب (الستة) في زهر السلم والثعبان، مات الثعبان، وتحطم السلم، فادرك الخانة المائة، وظل في صعوده، يغني لحبيبة واحدة، تماما كما أحبت زوجة البادية، صلاح، وأعلنت حبها له على الملأ.
لأ أزال أنقب، أعمل (إنديكس) هنا وهناك، سأعود لعقد الجواهر يا ضواي وباهر، والبنية من الحصاحيصا، بعد الجواب الاول والتاني، إتضح أنها في سنة تالتة، وأنا في سنة تانية، فمات الهوي يا عثمان حسين، بالمعزة والمودة البينا…..
سنواصل السمع، ونزيل ما به من وقر، ونهديه للذين ألتفت حولهم أطواء الغربة، من أسكلة الخرطوم إلى الجبلين إلى الرجاف، كما قال الشاعر، إلى النجف وخميس مشيط وناشفيل تينيسي وبلفاست. إلى ابي الذي لم يبرح موقعه بجانب الراديو القرونديق العريق، كل نهار جمعة، يحدثه شاعر الحقيبة بقوله:
العَصُرْ عَصْرِكْ أَجْرُمِى جُودِى وإِنْ شِئْتِى أَحْرِمِى
قَلْبِى أَنَا العِنْدَكُمْ رُمِى أَصْلُو مَا نَافِعْ أَفْرُمِى
الكِتَيفْ سِتِّى أَهْدِلِى جَارِدْ السِّبْحَة بَهْدِلِى
فُوقْ بَهَاكْ تِيهِى وأَقْدِلِى شَارَعْ الحَارَة صَنْدِلِى
حتى أدركه الموت السعيد.
لكم جميعاً الوطن في فلاش.
.