القضايا الكبرى التي تحتاج لوضوح الرؤية في الوطن الآن خمس: الدستور الدائم، دمقرطة ومأسسة الأحزاب السياسية، الإصلاح الاقتصادي، السلام، وتوحيد الجيش. الدستور هو اقدس وارفع وثيقة وطنية، ويحتاج وضع الدستور لرؤية واضحة واتفاق بين جميع مكونات البلاد، وكلما كان الإجماع حول الدستور عظيما كلما كان المستقبل السياسي للبلاد أكثر استقرارا، محاولة البعض فرض رؤى من الآن على المؤتمر الدستوري القادم عبر اتفاقيات سلام ثنائية او اعلانات مباديء هي أبشع طريقة لفرض الوصاية، وهي مؤشر على فشل ذريع للاجماع المتوقع حول الدستور.
منذ الاستقلال لم يحدث ان وضع السودانيون دستورا دائما يعبر عنهم، وضع الدستور الدائم لجمهورية السودان هو اعظم معركة وطنية في الوقت الراهن، لذلك مهم ان يبدأ من الآن الحديث والنقاش حول الدستور ومبادئه العليا التي يجب أن يحفظها الجميع ويدافعون عنها بالمهج والأرواح، يجب أن يشارك كل سوداني في النقاش حول الدستور، وإذا لم يكن التوافق متاحا فانتخاب جمعية تأسيسية سيكون خيارا صحيحا مع استفتاء الجماهير حول ما يختلف حوله.
دمقرطة الأحزاب السياسية ومأسستها هي المعركة الثانية، تطلع الجميع إلى حكم تعددي ديمقراطي، يحتاج لوجود احزاب ديمقراطية حقيقية يقوم عليها البناء الديمقراطي، للأسف معظم احزابنا السياسية الحالية تفتقر الى الديمقراطية الداخلية وتعاني من انخفاض مريع في المؤسسية والشفافية والاستقلالية وقبول الآخر، وهذه هي اسس بناء الأحزاب وعوامل استمرار النظام السياسي الديمقراطي، استمرار أحزابنا بنفس كيفيتها الراهنة يعني بناء نسخة مشوهة ومفككة من النظام الديمقراطي القادم، إصلاح الأحزاب السياسية عبر قانون أحزاب موضوعي وعصري ومتفق عليه سيكون من أهم عوامل استقرار النظام الديمقراطي، مهم ان يتحدث الناس ويتناقشون منذ الان حول قانون الأحزاب والممارسة السياسية المرتجي.
الاصلاح الاقتصادي الذي يتعلق بحياة الناس ومعاشهم هو القضية الكبرى الثالثة، الاقتصاد يمكن أن يعرف للتبسيط بانه هو حركة انسياب الاموال لتحقيق الفوائد، وبالتالي هناك ثلاثة شروط أساسية للنجاح الاقتصادي هي: بيئة مناسبة لحركة الاموال، توفر أموال، توفر فوائد للأموال. توفير البيئة المناسبة لحركة الأموال يحتاج لوجود قوانين اقتصادية عادلة ولشفافية عالية ولعدم انحياز السلطات لأي جهة في السوق، كما يحتاج الى ثبات قيمة العملة، و هي جميعها عوامل و شروط واجبة لتطمين واجتذاب راس المال وتقليل المخاطر التي يتعرض لها. للاسف البيئة السودانية الاقتصادية الآن تكاد تخلو من كل هذه الشروط حيث لا توجد قوانين اقتصادية عادلة ولا شفافية مع انحياز تنفيذي وتذبذب في سعر الصرف، وهي بيئة تعرض الأموال المتحركة في البلاد لمخاطر اقتصادية كبيرة، وهو ما يجعل الشرط التاني وهو توفر الأموال غير ممكن، نتيجة للخسائر او لهروب الأموال عن هذه البيئة، وهذا بدوره يقود إلى الفشل في تحقيق الشرط الثالث وهو الفوائد، وهيمنة الخسائر على السوق، وهذا بالضبط ما يعرف بالفشل او الانهيار الاقتصادي، وهو الذي نعيشه الآن.
sondy25@gmail.com