بسم الله الرحمن الرحيم
….….
….الفطرة، هي الخِلقة والصبغة، وهي الأصل والطبع، أو هي سمات تكونت في الإنسان مباشرةً دونما تدخل من الإنسان أو إكتساب منه ، لا عن طريق علم ولا عمل ولا قول، إنما أودعها الله فيه دون أن يكن للإنسان خيار فيها، هذه السمات والخِلال منها ماهو محمود محبوب ومنها ماهو مذموم مكروه لكن أودع الله في النفس أيضاً فطرةَ ألميل ناحية المحمود المحبوب من الخلال،
للفطرة في العموم نمطان فطرةٌ خَلقية كلون البشرة ولون العيون وشكل الأنف والطول والقِصَر مثلاً، وفطرةٌ خُلُقية وهذه نوعان إيجابية وسلبية أو قل محمودة ومذمومة، كالصدق والأمانة وحب الخير والأسلوب الحسن والكرم والوفاء والكذب والخيانة والإزدراء وغيرها كثير. رغم أن الأخلاق يمكن التدخل فيها عبر التعلم والثقافة والمعاشرة الإجتماعية لكن إنما يكون التدخل في حدود التقويم والتنظيم والتقليل والحد، وليس في إيجاد الأصل أو الطبع، فالطبع والأصل والسمة كلها لا تدَّخل للإنسان فيها من حيث الإيجاد وهو عين الفطرة المضاد للإكتساب،لذلك صرّح القرآن أن لا تبديل لخلق الله، وخلق الله هو فطرت الله التي فطر الناسَ عليها، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سورة الروم 30].
في الآية نرى المقابلة جلية بين “فطرت الله التي فطر الناس عليها” وقوله “لا تبديل لخلق الله” ففيهما الفطرة بمعنى الخلق والأصل مقابل الإكتساب الذي يعني حيازة الطبع بتدخل من المرء، وهذا لا ولن يكون أبداً. ولما كانتِ الفطرةُ مرتبطة بالوجود، وكل وجود موثوق بهدف، لذلك كانت الفطرة تتعلق بالهدف أيضاً، الهدف الوجودي، هو هدف الكائن وعلة وجوده، لذلك فأن كل كائن له وجود لابد لوجوده من علة، وهذه العلة إنما هي الهدف ذاته، ولما كان الوجود فطرةً مطلقة تماماً، فأن الهدف فطرة أيضاً من حيث وجوده، لا من حيث تنظيمه وتقويمه وترتيبه، فكل موجود إنما كان وجوده معلل بهدف، لذلك لا يوجد شيء، كائنا ماكان إلا وأوجده ربه لعلة ما، نعلمها أو نجهلها (جزئية الفطرة والهدف سيقام لها سرد لوحده بإذن الله)..
أما الترغيب والفطرة، فالترغيب ليس هدفاً في ذاته، لكنه وسيلة الهدف، وللوسائل حكم المقاصد، فوسيلة الهدف لا تنحصر في دائرة الفطرة فقط، لأن الوسيلة شىء يمكن أن نصنعه نحن معاشر الناس، ويمكن أن يوجِده الله لنا مباشرةً فيكون فطرة، كأن يكون الصدق الذي هو فطرة وسيلة لنيل ثقة الناس أو لحيازة العلم أو لنيل الجنة (…لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقا)، لكن الترغيب له تعلقه بالفطرة، لأن الأصل في الأساليب هو الترغيب بينما الترهيب هو الذي للشخص أن يختاره عبر طرد الترغيب، وحتى عندما يكون الترهيب مُلِحاً وضرورياً إنما يكون ذلك في حالات الخروج على قويم الأخلاق، فالسلوك الشاذ هو خروج على قاعدة الأخلاق التي هي الأصل، ومن جانب آخر، فرضاء الله هو الأصل، وسخطه يكون عندما يتجلى أمراََ يوجب سخط الله تعالى، والحرب من الله إنما تكون إذا ما اْستشرى الربا، والمعاملات من غير الربا هي الأصل، جانب الخير دائماً هو الجانب الأصل و الفطري، وجانب الشر يكون مدعاةً لعلة خارجة عن الفطرة، كل ذلك يعني أن ألفطرة في الترغيب لَهي الأمر الطبيعي، عليه فالترغيب فطرة، والهدف فطرة لكونه علة وجود المخلوقات ذوات الحركة، لا سيما الإنسان صاحب العقل، فعلة وجوده أسمى وأعلى، لذلك كان طبعه أعلى وأسمى، ووسيلة تحقيق هدفه إنما تسير بذات الطريق نفسها لارتباطها بشيئين :وجود فطري أولاً ثم هدف فطري ثانياً أو علة وجودية.
…إذن لو كنتَ داعيةً ضابطاً دعوتَك بميزان العقل الفطري السليم، فلسوف تكن وسيلتك في دعوتك هذه، هي الترغيب، لأنه الوسيلة الموافقة للفطرة. الغاية المثلى تكن في مادتك الدعوية نفسها، ولما كانت المادة الدعوية موصلة لله تعالى وهي في ديننا الإسلامي الحنيف، فليس من العقل السديد أن تكن وسيلتك لها بغير الترغيب، هذا في العموم، مالم تكن هنالك حاجة ملحة لأداة الترهيب، في حدوده الضيقة..
.. الآن تدبر هذه الآيات، في فطرة الخلق :
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[سورة اﻷنعام 79]
(يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[سورة هود 51]
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[سورة الروم 30]
..