** آخر النبلاء ! **
شخصيات وقفنا عندها من قبل من بلاد النوبة من الصحابي التابعي يزيد بن ابي حبيب من رواة الحديث في البخاري ومسلم الى سيد تلول رجل بسيط من عبقريات الفكاهة في بلاد النوبة. بين كل هؤلاء لن تجد شخصية متعددة الابعاد فاعلة مثل شخصية الدكتور شلبي: كوكتيل هائل من تخصصات في مهنة الطب: جراح _ باطنية _ صحة بيئة _ استشارات _ تخطيط طبي _ حميات…
ولديه أيضا انتاج ادبي: ادب السيرة _ ادب الرحلات _ ادب الاطفال…
وظائف:
خدم في اقصى جنوب غرب الزاندي _ جوبا _ سنجة_ كسلا _ سنار _ جزيرة ابا _ الرهد _ عطبرة _ ومستشفيات الخرطوم وتدرج حتى مساعد محافظ الخرطوم وعمل في الخليج ومنظمة الصحة العالمية
(٢)
هذا هو بعض اسهاماته في الوطن الكبير؛ اذن تعالوا نرى ما قدمه لوطنه الصغير بلاد النوبة وهو اصلا نموذج مشترك بين النوبيين المصريين والنوبيين في السودان وقضى طفولته في النوبة المصرية ودرس في مصر.
قدم اخطر ثلاث اسهامات للمجتمع النوبي لا اعرف احدا خدم مثله؛ بدأ بنظرة علمية فاحصة وهي الاهتمام باللغة النوبية. بدأ اهتمامه بالحرف النوبي وطفق يبحث عن علماء في هذا المجال الى أن اهتدى الى عبقرية الحرف النوبي الشهير مختار كبارة. في احدى حواري أمبابة في القاهرة وجده صاحب متحف وعلى الفور تبنى نشر القاموس الذي اشتهر فيما بعد بقاموس نوبين.
خطورة فعالية هذا الجهد في رتق الذات النوبية دفعت المخابرات المصرية لتهتم به حتى استطاعت ان تضغط على المؤلف ليسحب المقدمة التي كتبها شلبي ومجموعته في الطبعة الثانية!!!
المساهمة المهمة الثانية كانت في ادخال العمل النوبي في الانترنت مبكرا فمنذ عام ٩٧ فتح موقعا.
المساهمة الثالثة كانت في العمل على بناء كيانات وتكتلات نوبية لادارة شؤون النوبة وحضارته مثل المؤتمر النوبي _ الكيان النوبي ..
المساهمة العلمية الكبيرة كانت في تشخيص مشكلات المجتمع النوبي وازماته وتحديد نقاط القوة ومعالجة الضعف بالموجهات.
اما الخطوة العظيمة والاخيرة قبل وفاته بعامين كتابته ادب الاطفال (كمه كمه) وهي حواديت نوبية في طباعة راقية.
اذن من يأتي بعده مترسما خطاه من النشطاء النوبيين سيجد الطريق ممهدا.
(٣)
ما خطى هذا العبقرية خطوات إلا وجاء بفائدة؛ كان رحمه الله يعمل في كل الاجواء متصالحا مع كل الآراء لم يكن يهتم كثيرا لردود الافعال او يتعلق بفكرة مسبقة طالما كان العمل لصالح الوطن لو بحثت في سيرته لن تجد له وقتا ضيعه في فراغ!
رغم ميوله اليسارية عمل مع النميري ولم يكن متطرفا في يساريته فحدث ان ضاق به الحزب المصري الشيوعي حتى طردوه!!
كان يعمل مع الحكومة والمعارضة خاصة في عمل انساني:
عمل مع (الانانيا ١) اول حركة تمرد في جنوب السودان في الستينيات رغم انه مسئول حكومي. ساعد المعارضة الارترية في الانسانيات حتى حاول الاحباش اغتياله وفي منفستو المؤتمر النوبي واضح تعامله مع الحركة الشعبية شمال..
احد زعماء بلاد النوبة (سليمان العمدة) كان من المرافقين الدائمين له وهو يرحل بين القرى النوبية مبشرا بنشاطاته الاجتماعية ؛ كان يستمع اليه باندهاش في كل قرية يزورونها كأنه يسمعه لأول مرة وعندما سئل قال : (في كل مقابلة يأتي بجديد)!! هكذا لخص ابداعات هذه الشخصية.
(٤)
تميزت تجربته التي استمرت ستين عاما في العمل العام بالثراء بسبب كثرة السفر من نعومة اظافره واستفاد من النجاح المهني وفوق ذلك مواهبه الفطرية ولكن هذه العوامل غير كافية لتفسير هذا التماسك الذي عرف به.
قدراته الحقيقية تتخلص في انه كان يحمل عوامل توازن يعالج بها شؤون الحياة كان هناك توازن بين عواطفه وعقلانيته؛ في خلفياته التربوية ربما تنتهي جذور مقومات شخصيته. كان عاطفيا لدرجة البكاء وهو يستمع الى احد الصينيين وهو يحكي لهم قصة صينية. او سرعة الغضب لديه كانت حاضرة مثلا وهو يصرخ في وجه حسن دفع الله الذي خدم العسكر في تخريب مدينة حلفا عام ١٩٦٤ رغم هذه الخلفية التي تحمل الكثير من حساسيته العاطفية كان عقلانيا عميق النظرة وهنا تظهر اثار مهنة الطب وسياساتها التي امتهنها بعمق.
هذه الوزنة تجلت ايضا في انه كان مع مهنة الطب يمارس الخيال الادبي وقد مارس الكتابة وهو طالب. ويحكي انه كان محبا للغة العربية رغم خلفيته النوبية. يحكي ان الشيخ سيد قطب الزعيم الاخواني الشهير الذي اعدمه عبد الناصر وهو صاحب تفسير ظلال القرءان كان معلم اللغة العربية في مدرسته كان الشيخ سيد يمتدح تفوقه في اللغة العربية وما كان يفقد اكثر من نمرة او نمرتين رغم ذلك كان يقول له انت متفوق ولكن عليك ان تراعي التذكير والتأنيث!!
واضح ان تفوقه في الاسلوب او قل العقلية الروائية (وهي ملكة تنسج علاقة منطقية بين الخيال والواقع بين الاسطورة والفكرة) هذه الموهبة ظهرت في سردياته (مسيرة حياتي – وحواديت نوبية).
من خلال سطور هذه المؤلفات ايضا ندرك ان الجذور البعيدة لهذه الملكة هي حكاوي الحبوبة التي وثقها في كتابه الاخير وهو يحكي للاطفال واشار بوضوح ان مصدر هذه الحكاوي هي جدته من امه. والملاحظ ان الاسطورة في قصص النوبة مرتبطة بقيمة اخلاقية يوضحها الحكواتي في نهاية القصة ..حتى بين قصصه التي اغلبها لمخلوقات خرافية تجد قصة واقعية محورها الحاكم النوبي احمد كارا الذي حكم منطقة السكوت ايام التركية في هذه الشخصية اختلطت الاسطورة بالحقيقة اي ان الاسطورة في سرد الحبوبة ( هانم سليمان ) نزلت في الواقع في تصالح عجيب سيطر على وعي الطفل عبد القادر شلبي.
تلخيص:
هذه اللحظة (الثقافية ) الهنيئة سيطرت على طبيعة تفكيره فجمع بين عقلية العالم والمزاج النوبي المتقلب الطليق فانتج هذه الملحمة الرائعة التي نسميها سيرة الدكتور شلبي !