التمكين مفتاح الشر، ولن ينصلح حال الوطن إلا بإيقافه أولاً، ثم محاسبة كل الذين تورموا وانتفخت أملاكهم عن طريقه.
ويبقى إيقاف التمكين هو الشرط الأول لإعادة الثقة في الدولة السودانية، وفى عدالة الفرص الاقتصادية فيها، وفى استقرار سياساتها الاقتصادية للسودانيين أولاً، وللمستثمر ثانياً لكي يتعاونوا جميعاً مع الدولة في النهوض الاقتصادي المنشود.
السودان ليس فقيراً، لكن موارده مبددة بسبب الفساد والإهدار السياسي، الذي أسست له سياسة التمكين.
وهذه الممالك الاقتصادية التي قامت وكبرت على أرضية التمكين لن تلتزم بأي سياسات جديدة في ظل مكاسبها المستمرة والقائمة على الفساد، والرشاوى، والمصالح المتبادلة بين أعضاء التنظيم الواحد، ومعاونيهم من السماسرة.
ولن ينصلح الحال حتى لو قررت الدولة، وصدقت في تجاوز التمكين في ظل هيمنة رؤوس الأموال القائمة؛ لأن رؤوس الأموال هذه لم تنمُ بالعلم والدراسات والتنمية الحقيقية للموارد، وإنما بالإعفاءات الضريبية والجمركية والتسهيلات السياسية، ولذلك لمعت أسماء من الجهلة والسماسرة والسفهاء على حساب رؤوس الأموال التاريخية التي كانت تقوم رؤوس أموالها على الدراسات والاستثمارات الحقيقية، والتي كانت تستوعب الآلاف من أبناء الوطن وبناته من الخبراء والموظفين والعمال المهرة.
الآن ترى كثيراً من الأسماء التي تتحدث بالمليارات، ولا يعلم أحد من أين لها بالمال، ولا يشاهد أحد لها مزارع أو مصانع أو أملاكاً، ولا تساهم في التشغيل الوطني.
يجب أن تبقى إزالة التمكين الفقرة الثابتة في كل تحليل أو حديث حول معالجة أزمات الاقتصاد الوطني أن أردنا الإصلاح.
وبالمناسبة التمكين ليس اقتصاداً بل هو سياسة؛ ولذلك فإن الباب لإصلاح الاقتصاد الوطني ليس مؤتمرات أو إجراءات اقتصادية، بل هو قرار سياسي بامتياز، ويتمثل في إنهاء الهيمنة السياسية، وفتح الفرص أمام القوى السياسية الوطنية للتداول في السلطة، ومن ثم، تمكين الإعلام والرقابة الشعبية البرلمانية على الأداء العام للدولة، وتأهيل مؤسسات الحسم العدلي مثل القضاء والشرطة والأمن الوطني، وتغيير ولائها من الأفراد والاحزاب إلى الوطن السودان.