( الضرا ) كلمة تعكس ثقافة السودانيين وخصوصيتهم اللغوية وتجسد عاداتهم وقيمهم النبيلة، و(الضرا) في القرى والفرقان والحلال هو (فسحة) أو أرض فضاء تتوسط عددا من البيوت يتخذها مجموعة من الجيران مكانا للتجمع يوميا لتناول طعام العشاء في جماعة وللمسامرة وعقد الجوديات وحل الخلافات. وفي رمضان يتخذ الجيران في المدن أو القرى مكانا لتناول الإفطار يكون هذا المكان في الشارع العام أو في مكان فسيح أو ميدان داخل الحي يعرف أيضا ب (الضرا) حيث يأتي كل واحد من أهل الحي أو الفريق بمائدته وتوضع الموائد جنبا إلى جنب ويتحلق حولها الناس ويتناولون (فطورهم)
(الضرا) و (كورونا )
يعد (الضرا) كممارسة سلوكية من أعرق وأقدم تقاليد الإفطارات الجماعية في السودان، ومنذ قديم الزمان ظلت هذه الممارسة حاضرة في القرى والنجوع والفرقان والمدن السودانية ،لم تبدلها الظروف ولم توقفها الاحن والأزمات . في رمضان العام الماضي وبسبب التدابير الاحترازية لمنع إنتشار فيروس (كورونا) وحالة (الإغلاق) التي فرضتها السلطات الحكومية ولأول مرة يختفي ( الضرا) من الطرقات والأزقة وفي الشوارع العامة خاصة مدن وإحياء ومناطق العاصمة الخرطوم بعد التزام الأشخاص منازلهم خشية تفشي كورونا، وهو ما لم يتعود عليه السودانيون، الذين يتخذون من (الضرا) ساحة لإظهار الكرم والتكافل الاجتماعي.
ارتفاع الأسعار :
أطل شهر رمضان المعظم وقد استعدت له الأسر السودانية كما العادة وذلك بتوفير بعض المواد التي يتم استخدامها في المائدة الرمضانية من المأكولات والمشروبات التي أرهق أمر توفيرها كثير من الأسر محدودي الدخل بسبب ارتفاع أسعارها هذا العام. المشروب الشعبي المعروف بـ(الحلو مر) أحد المشروبات الأساسية التي دائما ما تتسيد المائدة الرمضانية لدى الغالبية العظمى من الأسر السودانية والذي تقوم ربات البيوت بإعداده منذ وقت باكر لأنه يأخذ وقتا طويلا في عملية التحضير والإعداد نسبة لكمية المواد التي تضاف له، هذا العام كثير من الأسر التي كانت تقوم بتصنيعه منزليا توقفت عن ذلك بسبب ارتفاع تكاليفه، فيما تنازلت بعض الأسر عن شرائه جاهزا بعد أن أصبح سعر (الطرقة) الواحدة منه تساوي ١٥٠ جنيه بسبب تكاليف تحضيره العالية المتمثلة في الذرة والبهارات بجانب عدم توفر الوقود (الحطب) وانعدام الغاز وارتفاع أسعار الفحم . وكشفت جولة قمنا بها في الأسواق الارتفاع الكبير في أسعار السلع الرمضانية بنسبة متفاوتة تراوحت بين (١٠٠٪_٢٠٠٪) حيث ارتفع سعر رطل الكركدي من (٢٠٠) إلى (٣٠٠) جنيه والتبلدي من (٤٠٠) إلى (٥٠٠)جنيه، أما الفول المصري قفز من(٤٠٠) إلى (٨٠٠) جنيه وملوة الدكوة قفزت من (٢٠٠) إلى (٨٠٠) جنيه ، وأشار عدد من التجار إلى أن ارتفاع الأسعار سببه ارتفاع تكاليف الترحيل خاصة أن أغلب السلع الرمضانية ترد العاصمة من الولايات .
( الضرا ) سيظل حاضرا :
الأستاذ الصحفي المخضرم عبدالمنعم شجرابي يرى أن فى رمضان السترة والصلحة والصدقة (متباريات) ،وقال إن (أكياس) الصائم خففت على الفقراء المعاناة، وأشار شجرابي في حديثه ل ( التحرير ) إلى أن الأسعار مهاوده ( والخير راقد بالأسواق)، وأكد أن كل ذلك سيعزز الظروف التي يعيشها المواطن السوداني وإن مشروبات الحلومر والعرديب والكركدي ستهزم الخلاطه وانقطاع الكهرباء، وأن البيوت ستظل مفتوحة وأن ( الضرا ) سيظل حاضرا في المشهد الرمضاني وسيظل أهل القرى القريبة من الشوارع يقفلون الطريق في منظر لا يرى إلا في السودان وهم يلوحون على المارة للتوقف وتناول الإفطار
(الضرا) لا تهزه الأعاصير :
الصحفي معاوية محمد علي يرى أن الظروف الإقتصادية والمؤشرات تنبي بصعوبة عودة (الضرا) في هذا الموسم من الشهر الكريم بسبب الظروف الاقتصادية ، إلا أنه عاد وقال إن الشعب السوداني سيهزم هذه الظروف وستعود العادة السودانية الأصيلة من جديد وستمتلئ الطرقات ب(الصواني وجرادل الحلو مر) وستتوهط (العصيدة) على مائدة رمضان. وأكد معاوية في حديث ل ( التحرير ) أن الشعب السوداني لا يستسلم للظروف، ولا يرفع الراية البيضاء بسهولة،خاصة في عاداته وتقاليده وبالأخص التي تتعلق بالتكاتف والترابط والجود بالموجود. وأشار معاوية إلى أن الصورة قد تختلف وأن المشاركة داخل بعض الأحياء قد تقل قليلا ولكنها ستكون اللافتة كما عادتها في الطرق الرئيسة، لتؤكد أن (الضرا) عادة سودانية لا تهزها أعاصير الظروف الإقتصادية ولا تهزمها (كورونا).
الجود بالموجود:
الكاتب الصحفي محمد الوسيلة قال إن (ضرا رمضان) عادة سودانية خالصة تكاد لا توجد حتى في أقرب الدول التي تتشابه معنا في العادات والتقاليد، و هي سمه مميزة للسودانيين خصوصا أهل الريف.، وأشار الوسيلة في حديثه ل ( التحرير ) إلى أن رمضان الماضي اضطر فيه معظم السودانيين للإفطار داخل منازلهم التزاما بتوجيهات وزارة الصحة التي قضت بإغلاق كامل للبلاد تفادياً للحد من انتشار جائحة (كورونا) ، و لكن رغم ذلك حرص سكان الأرياف على الإفطار في الشارع العام رغم حالة الإغلاق و في عرفهم أن (الضرا) عادة لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الظروف، أما في رمضان هذا العام يبدو أن (ضرا رمضان) هذه المرة سيتأثر بالظروف الاقتصادية التي تحيط بالبلاد خصوصا لدى سكان العاصمة و المدن الكبرى، لأن معظم الأسر تعاني أزمة اقتصادية خانقة قد تجعلها تحجم من الإفطار في الشارع العام، غير أن هذا الوضع المأزَوم لن يثني أهل الريف و قاطني القرى من معايشة تلك التقاليد الراسخة، المتمثلة في إغلاق الطرق الرئيسية وايقاف السيارات و المارة لتناول وجبة الإفطار، و لدى السودانيين مثل راسخ يقول (الجود بالموجود) وهذا يعني أن تخرج بطعامك إلى الشارع العام مهما كانت بساطته