في عهد الانقاذ كانت الثقافة السائدة في أهل السلطة هي الغرف من أموال العامة والسرقة من أموال الغير، ومن كان يتجبر ويتعالى على المساكين من الجماعة في ذلك العهد، لم يكن ينظر اليه كخائن ولا شاذ بل ( كمفتح). بهذه الثقافة تحولت البلاد الى مستنقع أسن من عدم الضمير والفساد، وتم ذبح الواجب ودفن المسؤولية وقتل الشرف، ضد هذه الثقافة ثارت ثورة ديسمبر، ثارت ضد الجشع والطمع وحب النفس، ثارت من أجل المساكين والبسطاء الذين سحقتهم المحسوبية وذبحتهم الواسطة وأحبطهم تقريب أهل الولاء، هذه الأمراض السياسية والمجتمعية التي ثارت ضدها الثورة اذا لم يحدث فيها التغيير المطلوب، فلا يجب أن نتحدث عن حدوث ثورة من الأساس.
انعدام الضمير في اي دولة لدى أصحاب السلطة، يعني اضطراب مفهوم الصاح والخطأ في عقول العامة، فأهل السلطة لديهم الإعلام والمال وبيدهم علماء السلطة يدبجون لهم الفتاوي، فالذي أصبح حلالا في شرع السلطة وان كان حراما بينا سيشكل على العامة تمييزه، ويتحول المجتمع إلى مجتمع مضطرب تتقمص فيه الشخصية المخادعة والخائنة دور البطل بفعل المنكرات وبتجاوز الحدود والأخلاق وبعد ذلك تنال الثناء والمديح، ففي عالم الشيطان الحلال حرام والحرام حلال. هذا ما ثارت ضده ثورة ديسمبر، ثارت ضد (التفتيحات) الكذبة الذين يخدعون الناس بأنهم يحسنون صنعا وهم أنكر العاملين. إعادة ترتيب مفهوم الصاح والخطأ في العقلية السودانية العامة هو الهدف الأسمى لثورة ديسمبر، اذا لم تنجح في تركيبه فلا داع للقول بحدوث ثورة.
فلنسأل الان بعد سنتين من سقوط السفاح هل صحت الضمائر وتعافى المجتمع من هذه الامراض؟ هل يتمتع القادة الذين يحكمون الآن بالضمير والأخلاق والشرف والوطنية؟ هل العامة واضح لديها الفرق بين الصاح والخطأ في ممارسة العمل السياسي او المجتمعي؟ فلننظر في دواوين الحكومة، هل يصل الموظفون باكرا وهل يخرجون في وقت نهاية الدوام؟ هل جلوسهم في مكاتب العمل جميعه عمل من أجل خدمة الوطن والعملاء ام انهم منشغلين بأشياء أخرى لا علاقة لها بالوطن ولا العملاء ويؤخرون بذلك إنجاز العمل ويماطلون في مساعدة الناس؟ وهو ما يؤدي في نهاية المحصلة الى الفشل في انجاز دور الحكومة وبالتالي فشلها في تدبير حياة الناس وتطور البلد. كيف هو تعامل العاملين في السوق والمخابز ومحطات الوقود والبقالات والمواصلات والخ، هل هو مبني على الأخلاق الكريمة الصدق والشرف والامانة ام انهم ايضا يمارسون أمراض المجتمع من غش وجشع وتزوير؟ وهو ما يجعل الدولة منهارة حكومة ومجتمعا، وهو وضع غارق في البؤس والانحطاط وهو السبب المباشر لكل الأزمات السياسية والاقتصادية.
الأزمات التي تعيشها معظم البلدان في المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية أهم أسبابها هي الأنانية، الانانية لدى السياسيين بالسيطرة على الحكم ومنع المؤهلين والقادرين من الوصول إلى المناصب المناسبة فقط لأنهم من أحزاب اخرى، والأنانية لدى العامة في محاولة الكسب والربح على حساب الآخر إن كان قريبا او غريبا بالخداع والغش، اذا لم تعالج الثورة هذا السبب ، اذا لم تعالج الانانية في السياسة والمجتمع فلا معنى للحديث عن حدوث ثورة في بلادنا.
sondy25@gmail.com