آسيا المدني
قال تعالى: (وجوه، يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة) (عبس: 38-39)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم تبسمك في وجه أخيك صدقة.
وقال الشاعر الأبرش:
أخو البشرِ محبوبٌ على حسنِ بشرهِ.. ولن يعدمَ البغضاءَ من كان عابساً
وقال المعري:
إذا الضيف جاءك فابتسم له .. وقرب إليه وشيك القرى
ويقول المثل السوداني: بليلة مباشر ولا ذبيحة مكاشر.
أحبتي القراء الأعزاء: إذا تأملنا ملياً وتعمقنا جيداً في الآيتين الكريمتين، ووقفنا على معانيهما لما تركنا الابتسامة تفارق وجوهنا أبداً مهما كان حالنا: الوجوه المسفرة: المشرقة المضيئة التي تشع نوراً وألقاً وجمالاً، والضاحكة المستبشرة: الباسمة التي تنضح إشراقاً وبشراً.. ما أجمل، وما أنضر الوجوه التي تعلوها الابتسامة، ويكسوها بريق السعادة.
الابتسامة نعمة من نعم الله تعالى، بل هي هبة اختص الله بها عباده من دون سائر المخلوقات، وفسيولوجياً هي تعبير يحدث في الوجه بثني العضلات القريبة من طرفي الفم، فيحدث جمالاً وملاحة وإشراقاً، فتنفرج الأسارير مكسبة ذلك الوجه النضارة؛ لأن الابتسامة ردة فعل طبيعية للسعادة والسرور، أو الشعور بالمتعة، أو كرؤية منظر جميل يسلب اللب.
هنالك أنواع كثيرة من الابتسامات” ابتسامة الاستهزاء، وابتسامة الشماتة، وابتسامة السخرية، والعياذة بالله ان نسخر من بعضنا بعضاً، عملاً بطاعة الله، واجتناب ما نهى عنه.
أحبتي الأعزاء دعونا نخوض ونبحر بعمق في أهم، وأحلي، وأجمل، وأنبل ابتسامة، وهي: ابتسامة التفاؤل التي نحن بصددها، وهي ابتسامة صادقة صافية نابعة من القلب السليم، وتمتاز بالمحفزات الإيجابية.
ما أحلى وما أعذب ابتسامة الطفل الغرير، فهي سر آسر، وسحر سالب للألباب، وسلطان قاهر. فإنك لا تقاوم ابتسامة الطفل الوديع، ولن تستطيع ولو كنت قاسي القلب جباراً.
أحبتي علمتني الابتسامة أنها مفتاح القلوب الموصدة، وبلسم الروح العليلة، وشفاء النفوس السقيمة، فكن بلسماً شافياً، ولا تحرم نفسك، ومن معك من سحرها، وسرها، وجمالها، وهي كالربيع تلك اللوحة الربانية بديعة الألوان، التي تبهر العين، وتنعش القلب بما فيها من رونق يسبي القلوب ويشفي الفؤاد المعني.
كان ابتسامتها والربيع شقيقان .. لولا ذبول الزهر
اآذار ينثر تلك الورود .. على ثغرها؟ أم شعاع القمر؟
وفي ثغرها افتر كل الزمان.. وما عمر آذار إلا شهر
بالروح فديت تلك الشفاه .. وإن اذكرتني بكأس القدر
علمتني الابتسامة أحبتي القراء أنها سر الصحة والعافية، فهيتمنح البشرة نعومة، وصفاء، ورونقاً خالياً من التجاعيد. كما تكسب المبتسم ثقة عالية بالنفس، وتجعله دقيق التفكير، وله المقدرة على العطاء؛ لأن صاحب الابتسامة الحلوة يتمتع دائماً بالصحة النفسية والجسدية، وخاصة صحة الفم .
فلماذا يا أحبتي لا نبتسم، طالما أن الابتسامة لها كل هذا المفعول، ولماذا لا نزيد من مناعة أجسامنا ضد المشكلات النفسية من قلق وتوتر بالابتسامة، تلك الوصفة المجانية التي لا تحتاج منك إلى مجهود فقط. عود نفسك ممارستها.
وكلنا يحتاج إلى الابتسامة. مثلاً: الطبيب مع مرضاه، والأستاذ مع تلاميذه، والموظف مع زملائه، والجار مع جاره، وكل في موقع عمله، والتاجر مع زبائنه، وقديماً قيل: من لا يمتلك ابتسامة لا يفتح متجراً، تبسمك في وجه أخيك صدقة.
الأم في بيتها مع زوجها وصغارها عندما تبتسم تشيع روح المودة، والرحمة والطمأنينة، ويعم جو المرح والسرور، وفيه تغرد الطيور بأعذب الألحان.
رب الأسرة عندما يدخل داره مبتسماً يعبق الجو بعبير الحب والمودة الصادقة، فيصير بيته جنة؛ لأنه عكس دواخله وترجمها في ابتسامة، قد تكون كلمح البصر إلا أن أثرها سيكون باقياً، ويكسب كل أفراد الأسرة الطاقة الإيجابية. فلماذا لا نبتسم؟ لتبتسم لنا الحياة.
تفاءلوا خيرا تجدوه.
علمتني الابتسامة أحبتي :أنها عنوان لحسن الخلق إن كانت صادقة، ومنفذاً طبيعياً للغبطة الفرح، والمشاعر الجميلة، وليس كل شعور يباح باللسان، وهي لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمان. فكن عالمياً، واترك أثراً لا ينتهي؛ لأن الابتسامة جواز سفر موانئها ومرافئها قلوب البشر، من الصعب أن تبحر أو تحط رحالك على قلب بدون ذاك الجواز.
علمتني الابتسامة أنها التعايش، وأنها الجلد والصبر والإيمان بالقضاء والقدر. أن نتعايش ونبتسم مع من حولنا، ولا نجزع، ونتذكر أن كل شيء كان في لوحة القدر، وما انا إلا شخص من ملايين البشر، لماذا العبوس؟ الذي لا يغير في الأمر شيئاً. بل يغير الوجه، ويعبث به، ويجعل فيه أخاديد، وينحت فيه خرائط وأرقام، كالرقم 1 بين الحاجبينـ أو الرقم 11 اعتماداً على شدة العبوس. لماذا نسمح له بذلك؟ لماذا نشوه وجوهنا التي خلقها الله في أحسن تصوير، فلنتركها للزمن وحده، حري بتغييرها، وتغيير الزمن للوجوه مسألة حتمية، ومرحلة لا بد منها. فهي تعني النضج، والتجارب الثرة، والخبرات التراكمية. كلما تقدم يوماً رسم الزمان خطاً يشهدك بأنه حاضر، فانتبه لتصرفاتك وكن إيجابياً.
ولا تنظر لخطوط الزمان سلباً، ولذا كن مشرقاً وضاحاً بالابتسامة.
علمتني الابتسامة أن هنالك صدقة مجانية لا أحد بلغ بها الغنى حتى يستغنى عنها، ولا حد بلغ بها الفقر حتى لا يستطيع الحصول عليها، فاكثروا من الصدقات لكسب الثواب، وزيدوا من رصيد حسناتكم.
ومن منا لم تلسعه الحياة؟ من منا لم يصبه عنت أو رهق؟ ابتسم في وجه الصعاب، ولا تهن، ولا تسأم، فأنت أقوى من أن يرى الآخرون ضعفك. ابتسم، ولو كان قلبك يقطر دماً، فإنك لا تدري من قد يعشق ابتسامتك فتكون له بلسماً شافياً. ابتسم؛ لأنك بابتسامتك قد تسعد من يهمه أمرك. ابتسم وابعد النكد؛ لأن الحياة دقائق وثوان معدودة، ولا ندري متي نرحل، المهم ترك الذكرى الجميلة، والأثر الطيب في النفوس.
لا تفكر في المظهر دون ابتسامة؛ لأن الناس لا ينبهرون بملابسك الأنيقة، ولا بمالك، ولا يؤثر ذلك كله في أعماقهم ودواخلهم أكثر من ابتسامتك.
والابتسامة الجميلة العفوية الصادقة رمز للعطاء، ومبدأ المحبين للخير، وصفة النبلاء.
فبعض الناس أحبتي يعتقدون خطأ أن الشخص المبتسم غير جاد، لا وألف لا؛ لأن قدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم، كان أكثر الناس جديه في أموره، وأكثرهم تبسما، وأشدهم حياءً.
أحبتي المبتسمون.. الابتسامة الساحرة كم أسرت، وكم سلبت نفوساً، وخصوصاً الكتاب والشعرا، وكم ألهمتهم، وكم عبثت بهم، فنراها تأخذ حيزاً كبيراً في الشعر الجاهلي والشعر الحديث، وفي الشعر الغنائي السوداني، وأكيد بكل لغات العالم، بما لها من سحر وأثر قوي في النفوس.
مسقط – سلطنة عمان