الدولة مؤسسة نظامية طورها الإنسان قبل آلاف السنوات من أجل تنظيم المجتمع وخدمة افراده وحفظ امنه، أهم صفات الدولة منذ ولادتها وحتى اليوم هي انفاذها للقانون وهيبتها التي اكتسبتها من هذا الإنفاذ، الفرق الوحيد بين مؤسسة الدولة والأفراد ان الدولة تستطيع أن تنفذ القانون وتنتزع للافراد حقهم عبر استخدامها المشروع للقوة، بينما الفرد لا يمكنه أن ينتزع حقا عبر القوة، لهذا اذا عجزت الدولة عن القيام بواجبها في انفاذ القانون وانتزاع حقوق المواطنين، تعم الفوضى ولا تصبح الدولة دولة، ويلجأ الناس لأخذ حقوقهم بانفسهم، وهذا ما يقود إلى الفتن والمشاكل، وما احداث الجنينة والانفلات الأمني المتكرر هنا وهناك في الخرطوم وبقية الولايات الا دليل على عجز في هيبة الدولة وفرض القانون.
هيبة الدولة في ظل الفترة الانتقالية تواجه اهتزازا كبيرا والسبب ان البلاد خارجة لتوها من نظام شمولي كان يستخدم القوة المفرطة وغير المشروعة في فرض هيبته، هذا الاستخدام غير العادل لقوة الدولة أنتج ثقافة في البلاد جعلت كل مسؤل يظن في نفسه أنه فوق القانون وفوق المواطنين، وحين جاءت الثورة وأرادت ان تعكس هذا الوضع المقلوب لتجعل القانون فوق الجميع حكومة ومحكومين، وتجعل الموظف الحكومي خادما للمواطنين وليس العكس، ظهرت هذه الروح السلبية في إنفاذ القانون وعجزت مؤسسات الدولة عن فرض هيبتها، فظهرت الانفلاتات الأمنية، وتجاسر المجرمون على الدولة، وهذه أزمة خطيرة تساوي غياب الدولة، وغياب الدولة يعني عودة البلاد إلى العصور الحجرية حيث القوي يأكل الضعيف.
يظن الكثيرون أن الديمقراطية هشة وضعيفة والدكتاتورية قوية ورادعة، بينما الحقيقة ان الديمقراطية قوية ورادعة ولكن في عدالة ومن أجل مصلحة المواطنين، عكس الدكتاتورية فهي رادعة ولكن بالظلم والقهر ومن أجل مصلحة الحاكمين وليس المواطنين. انظروا إلى أمريكا الديمقراطية كيف هي قوية؟! بل هي أقوى دولة في العالم، وهذا لأنها لا تجامل ولا تتردد في تطبيق القانون، ومع الزمن اكتسبت مؤسساتها الحكومية وموظفيها الحكوميين ثقافة إنفاذ القانون الرادع فأصبحت الدولة ذات هيبة عظيمة لا تضاهيها هيبة. فالقانون بطبعه رادع، وإنما العجز يكون في قدرة المؤسسة على إنفاذه على الجميع.
ليس المطلوب إنفاذ القانون وفرض هيبة الدولة على المواطنين فقط، كما تفرض الدولة هيبتها على المواطنين عليها ان تفرض هيبتها على الموظفين لديها، الدولة الفاشلة هي الدولة العاجزة عن فرض القانون في كل زمان ومكان وعلى اي شخص كان، مؤسسة الدولة يجب أن لا تتردد في إنفاذ نصوص القانون على الكبير والصغير ، الغني والفقير، الشريف والوضيع، بلا تمييز، القانون لا يميز، المسؤل عن إنفاذ القانون هو الذي يمييز، ولكن إذا كان القانون وجهاز الدولة ذو هيبة على الكل، فإن المسؤل عن إنفاذ القانون سيكون أكثر حرصا على إنفاذه قبل أن ينفذ فيه هو نفسه نتيجة عجزه او مجاملته او تقصيره في التنفيذ، بناء دولة ذات هيبة هو المطلوب الان من حكومتنا الانتقالية والمواطنين معا، وإلا دفع الجميع الثمن.
sondy25@gmail.com