صحافة الرأي هي اﻷعلي صوتا في السودان ، علي الرغم من أن المقاييس المهنية للصحافة المتقدمة تضع في الصدارة صحافة الخبر والتقرير والتحقيق، ولكن ربما لطبيعة المتلقي السوداني وقناعات رؤساء التحرير تبقي صحافة الرأي هي صاحبة الكعب اﻷعلي و سيدة الموقف، علي الرغم من سقوطها أحيانا في حبائل الخلل والخطرفة واﻷمزجة الشخصية المتقلبة، فبدلا من الوقوف علي مسافة متساوية والنظر والتدقيق من شرفة الرؤية من مختلف الزوايا تنحرف لتكون جزءا من المعادلة السياسية او اﻹجتماعية أو اﻹقتصادية أو الرياضية.
سألني أحدهم عن تناقض المواقف تجاه الحكومة اﻹنتقالية ، والتي تظهر فيما نكتب ، فهو وحسب معتقده الثقافي المشوه يظن أن الصحافة الناضجة والداعمة للتغيير عليها أن تنشط في تحسين وتمجيد الحكومة اﻹنتقالية وأن تسكت عن نقدها ومهاجمة قراراتها الشاذة وأخطائها في حق الوطن والمواطن، وفات عليه أن يدرك أن الصحافة المسئولة هي العين الراصدةو لسان الشعب في حالتي الرضا والسخط وصاحبة اﻷداء المتوازن تجاه قضايا الوطن والمواطن.
وكمثال لما تستحق عليه الحكومة الثناء واﻹشادة فيما اصدرته خلال الساعات القليلة الماضية هو إعلانها فك اﻹرتباط بين الموقف السوداني والموقف المصري والتركيز علي مصالح السودان وضرره فيمايتعلق بقضية سد النهضة ، ثم قرار الحكومة بشقيها العسكري والمدني بالغاء إتفاق الحكومة السابقة مع الجانب الروسي ومنح روسيا حق إنشاء قاعدة عسكرية علي البحر اﻷحمر ، وتوجيه القوات البحرية السودانية بمنع التواجد الروسي
هناك ، وإخطار الروس بأن قرار منح قاعدة عسكرية ﻷي دولة قرار يتخذه البرلمان ممثل الشعب السوداني ، فالقرارات المتعلقة بقضايا الوطن وسيادته علي أرضه قرارات لا تحتمل امزجة الرؤساء وأرتجال الحكومات وتعجلها.
أما المثال اﻵخر لما تستحق أن تنتقد فيه الحكومة فيما ارتكبته خلال الساعات الماضية هي هجومها بالغاز المسيل للدموع علي مجموعة من منسوبي الحركة اﻹسلامية اثناء إفطارهم الجماعي في أحد الميادين شرق مطار الخرطوم ، فمهما كانت الحجة والدوافع ، فإن التقييم الحقيقي لهذا العمل اﻷخرق يناقض روح الثورة ومنهج التغيير ويظهر حكومة (الحرية والسلام والعدالة) في مظهر الهمجية والتطرف وسوء التصرف الذي جاءت لتحاربه، إذ لا يستقيم عقلا أن ترتكب جرما مشينا ارتكبه خصومك (لاتنه عن خلق وتاتي بمثله
عار عليك إذا فعلت ذميم)
فهو خطأ عظيم او فعل ذميم يناقض روح الثورة ويهزم شعاراتها.
الحكومات العظيمة تحميها الصحافة المسئولة وينصرها اﻹعلام المتزن ،الذي لا يركن للمجاملة او يستجيب لﻹغراءات او يسقط ليكون جزءا من المزاج العام للحكومة أو ينخرط في زفة التطبيل اﻵهبل،
وما يجب أن نعرفه جميعا أن لاصلاح لحالنا في غياب الصحافة المتوازنة لسان الشعب الحقيقي وعين الوطن الراصدة.