التحديات الاخلاقية لثورة ديسمبر

التحديات الاخلاقية لثورة ديسمبر
  • 02 مايو 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

الثورة الشعبية العظيمة التي انطلقت في ديسمبر ٢٠١٨ واستهدفت الاطاحة بنظام الإنقاذ لم تكن ثورة عبثية، لم تكن ثورة فارغة، بل كانت ثورة قيمية واخلاقية، فالقيم التي حملها شعار الثورة الأشهر (حرية، سلام، عدالة)، كان معبرا بالضبط عن النقيض الذي كان يحمله نظام الانقاذ، الذي أدمن القهر واحترف الحروب والظلم. ثورة ديسمبر نقيض قيمي وأخلاقي لنظام الإنقاذ، هذا هو وصفها، فإذا تغير هذا الوصف فأعلم بأن الثورة قد انحرفت.

حركة الإسلام السياسي التي مثلت أساس حكم الانقاذ ارتكزت منهجيا على هوس الغاية تبرر الوسيلة، ظهر هذا مبكرا منذ أن قال كبيرهم الترابي لعمر البشير (اذهب الى القصر رئيسا و سأذهب إلى السجن حبيسا) وليس انتهاء ب shoot to kill و (اكسح امسح ما تجيبو حي) ، لذلك تجد أنصار الحركة الاسلامية لا يتورعون عن ارتكاب كل الموبقات ظنا منهم أنهم يستهدفون غاية سامية لخصوها في شعارهم (الإسلام هو الحل)، من بين موبقاتهم انقلبوا على سلطة الشعب وإقاموا سلطة الجماعة، شردوا الموظفين للصالح العام بلا ذنب سوى أنهم مختلفين معهم سياسيا، اعلنوا الحرب الدينية على أبناء الجنوب حتى قالوا ان الملائكة قاتلت معهم والغزالة تكلمت إليهم ترشدهم إلى العدو، استقبلوا كل المتطرفين الإسلاميين من حول العالم ووفروا لهم الأرض والحماية والسلاح، اقاموا بيوت الاشباح و معتقلات التعذيب لمخالفيهم فدقوا مسمارا في رأس طبيب أعزل، فصلوا الجنوب واغرقوا دارفور في المذابح والدماء، استباحوا الوطن طولا وعرضا بذريعة انهم جاءوا لبعث الإسلام، والإسلام براء منهم ومن أفعالهم.

انكشف زيف الإسلاميين فأصبحوا يغطون عورات حكمهم بالسلاح والقوة والجبروت،ظهر مبكرا انهم لصوص سرقوا السلطة من الشعب لا ليقيموا عدل الإسلام ولا ليعيدوا حكم الفاروق، بل ليمارسوا أكبر تجارة باسم الدين في تاريخ السودان، فاكتنزت جيبوبهم وبطونهم حتى أن الفرد منهم يملك مئات الأراضي والمباني الخرصانية في بلاد معظم بيوتها من الطين والقش، بالمختصر لم يكونوا دعاة مشروع قيمي ولا أخلاقي، كانوا مجرد لصوص سلطة وقطاع طرق لقافلة الديمقراطية والحرية.

لذلك فثورة ديسمبر لم تثر على دولة يمكن البكاء عليها ولا مشروعا يستحق الاحتفاء به، بل كانت ثورة لاسترجاع قيم اخلاقية للوطن والدين ضيعتها جماعة البشير والترابي، وعليه فإن ثورة ديسمبر ثورة أخلاقية لا يجب ان تعامل الكيزان بالمثل، بل يجب أن تعيد تطبيق القيم الحقيقية في الحكم من حرية وسلام وعدالة لجميع أفراد الشعب بلا استثناء، الذين يجعلون ثورة ديسمبر ثورة انتقام وتشفي وتخلص من خصومهم الإسلاميين هم في الحقيقة يقزمون ثورة ديسمبر ويجعلونها نسخة جديدة من الإنقاذ، فليحذروا، وليعلموا ان النصر امتحان فمن بطر بالنصر عاجلته الهزيمة من حيث لا يدري ولا يتوقع.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.