محجوب الخليفة
الوضع الطبيعي هو أن تعيش حياتك اليومية وفق نظام تعرفه جيدا ،وبخارطة واضحة تعرف تفاصيلها منذ الصباح الباكر وحتي نهاية يومك بما في ذلك العمل والدخل والمنصرفات ومستلزمات اسرتك اليومية، معظم الناس في اركان الدنيا يمارسون حياتهم علي هذا النحو، ولكن في السودان يعيش الناس حياتهم بشكل مختلف تماما، بل وعلي نحو يربك كل الحسابات ويصيب كل نظم ونظريات اﻹقتصاد وعلمائه بالحيرة والدهشة والعجز الكامل تجاه حياة الناس وتدبير معاشهم اليومي في السودان.
حكايات ساخرة متداولة منذ عقود تحدث عن الحياة وبشكل مختلف في وطن الغرائب والعجائب ، فالحكايات الصغيرة الساخرة التي نوردها هنا ر بما هي اﻵن اصبحت منهج الدولة وطريقة الحكومة ..
*الحكاية اﻷولي وهي قديمة منذ أن كان السودان وطنا واحدا من حلفا إلي نمولي ، تقول الحكاية أن بعض أهل الجنوب يبيع الواحد منهم ديكا للتاجر (الجلابي ) ب عشرة قروش ثم ينزع التاجر ريشتين من الديك الذي إشتراه ثم يبيعها لصاحب الديك بعشرين قرشا..
وهذا ما ظلت تفعله حكوماتنا منذ عقود ومازالت تلتزم به، فهي تبيع مواردنا (زراعية ،حيوانية،معدنية وغيرها) خاما ثم تستورد نفس السلع بعد تحويلها صناعيا لعدة منتجات وبأسعار باهظة وعملات حرة عزيزة،، وكمثال ،القطن ، الصمغ العربي ،الذهب، السكر (بستخلصون من جوال سكرنا مايكفيهم ثم يعيدون تصديره الينا ﻷنهم يعالجون سكرنا شديد التركيز ويستخلصون منه ضعفه) ،ثم يستقبلون اللحوم الحية واﻹناث من ثروتنا الحيوانية لينافسونا في اﻷسواق بل وصل اﻷمر إلي إنشاء مسالخ للحوم الصادر إعتمادا علي ما نرسله نحن من ثروتنا الحيوانية، وكذا الحال مع كل منتجاتنا الطبيعية المرغوبة عالميا.
*الحكاية الثانية وهي أيضا من ايام السودان الواحد ، تقول الحكاية ان مواطنا من امدرمان تناهي إلي سمعه رغبة اهل جوبا وتهافتهم علي شراء السكسك ، ففكر في جمع كمية منه والسفر إلي جوبا ، وبالفعل سافرالرجل أياما حتي وصل إلي جوبا مساء أحد اﻷيام وهو يحمل بضاعته من السكسك إختار شجرة تبلدي كبيرة ونام تحتها علي أمل أن يصحو باكرا ومن ثم البحث عن مكان السوق ليبيع بضاعته، في الصباح إستيقظ صاحبنا علي جلبة الناس وحركتهم ليكتشف أنه في قلب السوق ، فرش قطعة من الخيش ونشر عليها بضاعته من السكسك، وما أن رفع رأسه حتي وقف أمامه رجل عاري تماما (ملط) ليسأله عن ثمن السكسك ، نظر إليه صاحبنا مندهشا ثم قال له(لو قلت ليك بقرش أنت خات قروشك وين؟؟)
وهذا السؤال يناسب حالنا اﻵن وحكومتنا تحدثنا عن مئات المليارات من الدولارات ومثلها من اﻷموال المستردة ، وتصرح بمشاريع الدعم اﻹجتماعي ثمرات وسلعتي وغيرها ولكنها ولﻷسف مثل الرجل الملط لاندري أين تحتفظ الحكومة بتلك المليارات ولمن توزع مال دعمها في مشروع ثمرات؟
في السودان الحياة فعلا بشكل مختلف ولا تقبل موازين العقل وقياس المنطق ، فنحن نعيش في وطن اغني بلدان الدنيا وفرة في المياه ونعاني من العطش ، ونمتلك أخصب اﻷراضي المنتجة بل تنبت غابات من اﻷشجار المثمرة ، ولكن يعاني بعضنا من الجوع بينما تتلف المحاصيل في بعض مناطقنا ﻷننا نعجز عن ترحيلها أو تخزينها.
واﻷغرب أن منصرفاتنا أعلي من دخلنا فبعضنا يكون منصرفه الشهري أكثر من الثلاثين ألفا بينما راتبه لايتجاوز الخمسة الف فقط ؟؟ الراتب الشهري في المتوسط خمسة الف جنيه بينما سعر كيلو اللحمة فقط بالفي جنيه؟ وسعر 4 ارطال من زيت الطعام أكثر من 3 الف جنيه ،وتجاوز سعر الرغيف الواحد ال20 جنيها ﻷسر متوسط أفرادها ست أوسبعة أفراد؟؟
فعلا حياتنا مختلفة ﻷن دخلنا لايتجاوز 5% من منصرفاتنا؟؟
ومع ذلك نحن علي قيد الحياة لسبب واحد هو أن تدبير حياتنا بيد الله وحده ولا علاقة لﻹقتصاد ونظرياته بنشاطنا اليومي مما يستوجب أن نردد دائما :- سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.