هل هناك إحباط سوداني خاص؟ يتعلق بالسودانيين دون غيرهم من شعوب الأرض؟ إحباط جمعي خالص ينشب أظافره في وجوه الجميع، ويسلخ عنها – الوجوه – ماء الحياة، ويتركها هكذا قاحلة الملامح، متشققة من أثر الأسى، ومكسوة بشوك الحزن المدمي للعظم قبل اللحم.. هل بات الإحباط يمثل سلعة السودانيين الأكثر تداولاً، الكل يحملها بين يديه، ويقدمها للآخرين مثل “الأيقونة” المائزة في سوق العواطف البائرة؟ وهل توحدت “الألسن السودانية” في لسان واحد فصيح مبين، يردد دون كلل وملل جملة وحيدة تختصر كل المآلات قائلة:
“أنا محبط”!
طيب، قد لا يعي أكثر السودانيين الماهية الحقيقية لفعل الإحباط وما يمكن أن يقود إليه هذا الفعل ذو الأثر النفسي المدمر. عدم استيعاب حقيقة الإحباط تجده ترجمة في شبه جملة سودانية صارت شائعة في الآونة الأخيرة، وقد تكون مرادفة أو منافسة للجملة السودانية الأشهر “الحمدلله على كل حال”، والجملتان تردان في المخاطبة العادية حين يسأل شخص صديقاً أو رفيقاً أو قريباً له عن أحواله، فيرد مباشرة أما بـ “الحمدلله”، وهذا من شاكلة واقع الحال يغني عن المقال، أو يأتي الرد في صيغة واقعية مختصرة وواضحة: “زهج والله”، والأخيرة هذه تعني إن ترجمناها ترجمة حرفية: “أعاني من إحباط شديد”.
هذا بشكل عام يقدم لنا صورة عن حالة الإحباط التي تنتاب السودانيين وهم يخوضون حياتهم العادية، فالزهج “الإحباط” هو السمة الأساسية التي تعبر عن هؤلاء القوم.. ما الذي حدث، وممَ الزهج؟ وكيف تراكم الإحباط للدرجة التي كاد معها أن يزيح القوة الإيمانية الدافعة للرد السوداني الأسبق والأشمل “الحمدلله”؟
على مستوى آخر، فلدى الناشطين السياسيين والاجتماعيين والمثقفين السودانيين بصورة عامة، قفزت مفردة “الإحباط” لتحتل المركز الأول في القاموس التداولي للمنتمين لهذه الفئات، ففي حين كان في السابق يعمل المثقفون والناشطون على مكافحة الإحباط والتثبيط بمحاولة بث روح الأمل والتشجيع على الحلم بغد أجمل، صار يثهم للشكوى من ارتفاع مناسيب الإحباط لديهم هو الغالب على كل كتابتهم سواء أكانت مقالات أو مجرد مداخلات على مواقع التواصل الاجتماعي.
فهل وصل السودانيون إلى قمة جبل الإجباط وما يليه سيكون الانحدار إلى هوة اليأس ثم منزلق الحضيض.