سد النهضة وكوفيد 19
مهندس: عمر البكري أبو حراز
موضوع سد النهضة الأثيوبي أصبح مثل موضوع الكورونا يظهر كل يوم مهندس، دكتور سياسي، أو محلل ويفتي بنظريات وآراء غير مستندة على أدلة علمية. في الكورونا مثلاً هناك من يقول أنها مؤامرة مصنوعة للقضاء على البشرية ومن يقول أن التطعيم مضر وقاتل وغير مفيد، وفي سد النهضة كل يوم يصرح مسؤول أو محلل أو مهندس بأن السد سوف ينهار وأن الأثيوبيين سيحرمون السودان ومصر من المياه وأن (20) مليون سوداني سوف يتأثرون إذا تم ملء السد في يوليو القادم، نحاول في هذا المقال تلخيص كل ما يتعلق بسد النهضة مستعينين بالرأي الهندسي والمنطق السياسي:
أولاً: نبدأ بالمنطق السياسي ونورد الحقائق المهمة والتي ذكرناها في مقالات سابقة، وهي أن تحديد موقع السد الحالي تم في العام 1964 بواسطة هيئة الإستصلاح الأمريكي وأن تصميمه تم بواسطة مكتب استشاري أمريكي باسم كلنستون حوالي عام 1970.. توقف العمل في مشروع السد بعد انقلاب منقستو عام 1974 والذي أطاح بالإمبراطور هيلاسلاسي وكان انقلاباً شيوعياً في قمة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، لذلك توقف العمل في مشروع سد النهضة الذي تبنته أمريكا.
بدأ التفكير في تنفيذ السد بعد الإطاحة بنظام منقستو في العام 1991 وتولى ملس زيناوي الحكم الذي قرر بداية العمل في السد في العام 2011.. زار ملس زيناوي السودان في مارس 2012 وصرّح بأنه مندهش لتخوف السودان ومصر خاصة السودان الذي سوف يستفيد من السد أكثر من أثيوبيا، وأن الآثار البيئية والاجتماعية الضارة تقع في الأراضي الأثيوبية وأنه كان يتوقع مشاركة مصر والسودان مشاركة فعلية بنسبة (20%) من مصر و(30%) السودان وأثيوبيا (50%).
بالمنطق السياسي إذا كانت لدى أثيوبيا أي نوايا سيئة أو تريد الإضرار بالسودان ومصر لما عرض رئيسها آنذاك هذه المشاركة، والتي لو تمت لكان السودان ومصر داخل منظومة إدارة السد وممتلكتان لكل معلومة صغيرة أو كبيرة، سرية أو خطيرة لأنهما صاحبتا حق.. لا أدري لماذا لم تستجب الإنقاذ لهذا العرض الأثيوبي وقد كان وقتها السودان ينعم بعائدات البترول المليارية وكل المطلوب كان حوالي (1,2) مليار دولار، للمساهمة في السد تدفع على أقساط ويكون بها السودان شريكاً في أرباحه من بيع الكهرباء، ويتمتع بحوالي (2500) ميقاواط بأسعار تفضيلية كانت ستوفر له حوالي (10) مليارات دولار من بناء سدود جديدة (سد مروي ينتج (1250) ميقاواط كلف حوالي (5) مليارات دولار).
عليه بهذا المنطق فإن أثيوبيا ليس لديها ما تخفيه أو تخاف عليه وهي تدعو السودان ومصر للمشاركة في السد.
ثانياً: يتحدث الناس هذه الأيام خاصة وزيرة الخارجية عن مسألة الملء الثاني دون إخطار السودان، وتهديد عشرين مليون مواطن سوداني من هذا الملء، أؤكد لو تم الملء في يوليو لن يحدث أي شئ ولن يتأثر السودان أو مواطن سوداني واحد بهذا الملء .. أثيوبيا تبدأ التخزين الثاني في قمة فترة هطول الأمطار وبداية الفيضان فلن تستطيع أن تحجز أكثر من الـ(13) مليار متر مكعب خلال فترة الثلاثة أشهر، علماً بأن معظم مياه النيل الأزرق الواردة إلى السودان ومصر تبلغ حوالي (80) مليار متر مكعب كلها تأتي في هذه الفترة، لذلك أؤكد تماماً وأتحدى لن يكون هناك أي أثر- أكرر أي أثر على السودان ومصر من عملية التخزين الثانية في يوليو- سبتمبر من هذا العام، نفترض أن الأثيوبيين أخطروا السودان ماذا كان سيفعل؟ والآن السودان يعلم بأن أثيوبيا سوف تملأ الخزان بحوالي (15%) من سعته وبدأت استعدادات طفيفة لذلك الملء، أين العشرين مليون سوداني الذين سوف يتأثرون من الملء الثاني ، ننتظر ونشوف شهر يوليو ما بعيد.
ما هكذا تدار السياسة الخارجية، لماذا كل هذه الحملة على أثيوبيا بشأن السد وقد أكدت أنها لن تمس حصة السودان ومصر متراً مكعباً واحداً؟ والذي يربطنا بأثيوبيا أكثر من الذي يفرقنا ومستقبل ازدهار السودان في التكامل مع أثيوبيا.
ثالثاً: مواصلة للمنطق العلمي فإن النيل الأزرق بعد اقترانه في الخرطوم مع النيل الأبيض يشكل أنبوباً واحداً، لا يهم أين تخزن المياه فيه بل المنطق والوجدان السليم يقول بأن أحسن منطقة لتخزين المياه هي منطقة السد الحالية في أثيوبيا، لأن درجة الحرارة فيها لا تزيد عن (20) درجة مئوية طول العام وأن تخزين المياه في السد العالي في درجة حرارة تصل (46) درجة مئوية، يفقد هذا الأنبوب على الأقل (10) مليارات متر مكعب من المياه سنوياً بسبب التبخر بينما لو تم التخزين في سد النهضة فإن فقدان المياه بالتبخر لن يتعدى بأي حال من الأحوال الـ(2) مليار متر مكعب- يعني مصر ممكن تستفيد بزيادة (8) مليارات متر مكعب إضافة إلى (8) مليارات متر مكعب من حصة السودان غير المستغلة.
مصر والسودان رصدتا وصرفتا مليارات الدولارات لحصاد المياه في منطقة جونقلي بجنوب السودان، وتم جلب أكبر حفارة في العالم من فرنسا وبدأت العمل بشق ترع ومجاري من مستنقعات الجنوب في جونقلي لإضافة (8) مليارات متر مكعب تقسم مناصفة بين السودان ومصر، وكل دولة تأخذ (4) مليارات متر مكعب، ثم توقف العمل بعد ضرب الحفارة بواسطة الجيش الشعبي لتحرير السودان المتمرد- يعني مصر ممكن تزيد من تخزين المياه في السد العالي بحوالي (6 أو 7) مليارات متر مكعب بالتخزين في سد النهضة في منطقتة الباردة.
رابعاً: زراعة السودان من الخضر والفاكهة في حوض النيل ما يسمى بـ(الري الفيضي) سوف تتضاعف ثلاث مرات في العام، إذ أنها الآن مرة واحدة في العام بعد نهاية الفيضان وانحسارالمياه.. بعد سد النهضة تدفق المياه سيكون في مستوى واحد طول العام تاركاً مساحة الري الفيضي في مكانها، ويمكن أن تروى بطلمبات صغيرة نسبة لقرب المياه منها وثباتها في مستوى واحد.
خامساً: مصر تدرك أن أثيوبيا لن تستطيع حجز أكثر من الـ(74) مليار متر مكعب في البحيرة بعد العشر سنوات الأولى، وأن أثيوبيا ستقوم بضخ المياه للسودان ومصر عبر بوابات الكهرباء، إذ أنها سوف ترتبط بعقد مع دول مجاورة لبيع الكهرباء وبذلك لا تستطيع أن تتلاعب بقوانين ملزمة دولية.
أما مسألة انهيار السد فكانت خطة مصرية لم تنجح وحتى المصريين تركوا الحديث عنها لأنها لا تستند إلى منطق أو علم.